الجاهلية) تحرفهم عن الحقّ رغم تجذّره في أعماق فطرتهم.
في حين جاء التعبير في موضع آخر بـ (فَأَنّى تُسحَرُونَ) بصيغة المبني للمجهول ، وهي عبارة تطلق على من يتّبع أمراً دون إرادة.
ويوجد احتمال آخر في تفسير هذه الآيات وهو أنَّهم كانوا يقولون بأنَّ رسول الإسلام صلىاللهعليهوآله يريد أنْ يحرفنا عن طريق الحقّ أو أنّه ساحر قد سحرنا ، فردّ عليهم القرآن : مع أنّكم تُقرّون بأنَّ الله هو خالق السماء والأرض والشمس والقمر والبشر ، وهو المدبّر لهذا الكون فكيف يحرفكم أو يسحركم من يدعوكم إلى عبادته ونبذ عبادة غيره؟ أي عقل يحكم بهذا؟!
إنّ الكثير من المفسّرين ومنهم (الطبرسي في مجمع البيان والعلّامة الطباطبائي في الميزان والفخر الرازي في التفسير الكبير والآلوسي في روح المعاني والقرطبي في تفسيره) اختاروا التفسير الأوّل ولو أنّ التفسير الثاني غير بعيد عن مفهوم الآية.
* * *
عهد عالم الذرّ :
الآية العاشرة والأخيرة في هذا البحث تذكر تعبيراً آخر بصياغة جديدة حول التوحيد الفطري ولا نظير لها في الآيات القرآنية الاخرى ، وبسبب المحتوى المعقّد لهذه الآية دارت حولها أحاديث مطوّلة بين العلماء والمفسّرين والمتكلّمين وأرباب الحديث ، نورد ـ بصورة إجمالية ـ آراءهم المختلفة ثمّ رأينا المختار بعد الفراغ من تفسيرها.
تقول الآية الكريمة : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيتَهم وَأَشْهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِربِّكُمْ) فقالوا جميعاً : (بَلى شَهِدنَا) وتُضيفُ الآية بأنَّ الله تعالى فعل ذلك لئلّا يقولوا يوم القيامة إنّا غفلنا عن هذا الأمر (وهو التوحيد ومعرفة الله) : (أَنْ تَقُولوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) أو تتشبّثوا بحجّة (التقليد) بدلاً عن حجّة (الغفلة) وتقولوا : (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبلُ وَكُنَّا ذُرِّيَةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَل المُبطِلُونَ). (الأعراف / ١٧٣)