في مثل هذه الموارد الحكم بشأنها وندع العلم بها إلى أهلها (١).
نبقى والآية أعلاه وما يستفاد منها بمعونة القرائن المختلفة ، وكما أشرنا فإنّ التفسير الثاني ـ كما يبدو ـ هو الأنسب من بين التفاسير الستّة المذكورة للآية ، وهو التفسير الذي يعتبر عالم الذرّ منسجماً مع فطرة المعرفة الإلهيّة والإسلام ، وعليه فإنّ ذرّات النطفة منذ خروجها من ظهور الآباء واستقرارها في أرحام الامّهات تكون قد استقرّ فيها نور المعرفة والتوحيد والقانون الإلهي على صورة قابلية ذاتية.
٢ ـ فطرة العقل أم القلب؟
الحصيلة من كلمات العلماء في بحث فطرية المعرفة الإلهيّة هي أنّهم سلكوا طريقين ، فبعض اعتبر الفطرة هنا بمعنى الاستدلال العقلي الواضح ، وهو أنّ كلّ إنسان بعد اكتمال عقله وملاحظته لنظام عالم الوجود وبعض الأسرار في الخلق ينتقل إلى هذه الحقيقة فوراً وهي استحالة نشوء هذا النظام البديع ذي الأسرار العجيبة من مبدأ فاقد للعقل والإحساس ، وعليه فإنّ الفطرة تعني : (العقل الفطري) الذي يكفيه استدلال واضح للوصول إلى الحقيقة ولا يحتاج إلى استاذ أو معلّم ، كما يحكم الإنسان بأنّ (الكلّ أكبر من الجزء) حيث أدركه باستدلال عقلي واضح وهكذا عندما يقول بأنّ (المساويين لشيء متساويان).
من هنا نلاحظ أنّ علماء المنطق يقسّمون بديهيات المنطق إلى ستّة أقسام :
الأوّليات ، المشاهدات ، التجريبيات ، المتواترات ، الحدسيات ، الفطريات ، وقالوا في تعريف (الفطريات) : بأنّها القضايا التي لا يصدق بها العقل بمجرد تصوّرها بل يحتاج إلى حدّ أوسط وهو حاضر لدى الذهن دائماً ، وللفطرة معنى آخر وهو أصحّ وأفضل في البحوث المعنية وهو : إدراك الحقائق من دون الحاجة إلى أي استدلال (معقّد أو بسيط) ويتفهّمها
__________________
(١) للمزيد من المعلومات عن الروايات المرتبطة بعالم الذرّ يمكن مراجعة الكتب الخمسة الآتية : بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٢٧٧ ؛ مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ٣٦ ؛ تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٤٦ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٩٣ ؛ وتفسير درّ المنثور ، ج ٣ ، ص ١٤١ ، وما بعدها.