هو الحكيم الخبير :
ونلاحظ استعمال الآية الثالثة تعبيراً آخر وهو ذكر صفتي «الحكيم والخبير» في موضع واحد ، قال تعالى : (كِتَابٌ احْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).
قال الزمخشري في كشّافه : «تشير هاتان الصفتان إلى فعلين إلهييّن ذكرتهما الآية في البداية ، أي أنّ الآيات القرآنية محكمة ومتوازنة لأنّها صادرة من لدن حكيم ، ومفصّلة لأنّها صادرة من لدن خبير وعليم بكل شيء» (١).
* * *
حكيم لأنّه وضع طريقاً للرجعة :
في الآية الرابعة نلاحظ وجود تعبير قرآني جديد وهو اقتران صفة «الحكيم» بصفة «التوّاب» ، قال تعالى : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَانَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ).
وردت هذه الآية بعد مجموعة من الآيات المتعلقّة بمسألة اللّعان (وهو إذا اتهم رجل زوجته بالزنا ـ والخروج عن جادة العفاف ولم يكن لديه أربعة شهود على ادعائه : وجب أن يجلد ثمانين جلدة وفق قانون القذف ، لكن القرآن أسقط عن الزوج هذا الحكم شريطة أن يحلف بالله خمساً كما ورد تفصيله في آيات سورة النور ، لكن زوجته ستكون محل تهمة في هذه الحالة ، وتدرء الاتهام عنها في حال أدائها اليمين الخماسي أيضاً ، وفي هذه الحالة فسوف تحرم الزوجة على زوجها إلى الأبد.
بالالتفات إلى هذه المسألة يتضح أنّ علاقة صفتي «التواب» و «الحكيم» مع محتوى الآية وثيقة جدّاً ، حيث وضع سبحانه وتعالى أمام الطرفين طريقاً للتوبة والرجوع ، لكي يتمكن الذي افترى على صاحبه من العودة إلى مواصلة الحياة الزوجية وبتحمل عقوبة القذف ، هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى ونظراً لكون الزوجين أكثر اطلاعاً على بعضهما ، ولِتعسُّر إقامة الدليل على مثل هذه المسائل الخاصة غالباً ، فإنّ الله تعالى قد صان حقوق
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ٣٧٧.