وهذا النظام الأحسن قد تجلى في عالم التشريع والتقنين والأحكام الشرعية ، وفي طيات تشريع هذه القوانين والاحكام أسرارٌ وفلسفات لايعلمها إلّاالله الحكيم الذي أرانا قسماً منها أيضاً.
* * *
توضيحان
١ ـ الأدلة على حكمة الله تعالى
لم يكن اتصاف الله تعالى بالحكمة مستنبطاً من عشرات الآيات القرآنية ، التي وصفته بالحكيم فحسب ، بل يمكن إثباته بالأدلة العقليّة أيضاً.
لأنّه وكما أشرنا سابقاً فإنّ صفة الحكيم تطلق على من يؤدّي افعاله بأفضل وجه ، وأقرب طريق ، ويتحرز عن أي عملٍ غير موزون وغير صالح. وبالحقيقة أنّ الحكمة تشمل الحالات العملية في الغالب ، بينما نجد أنّ العلم يشمل الحالات النظرية.
لذا فإنّ جميع الأدلة التي تثبت علم الله تعالى ، أثبتت حكمته أيضاً ، ولكن يجدر الالتفات إلى التفاوت الموجود بين وصف الباري بالحكيم والإنسان بنفس هذه الصفة ، فالأخير هو من تنسجم أعماله مع قوانين عالم الوجود ، لكن قولنا : الله حكيم ، يعني الذي أوجد القوانين التي هي مصداق للنظام الأحسن ، وبتعبير أدق : إنّ الله تعالى هو الذي يقنن القانون ويشرِّعه ونحن نطبقه.
ومن جهة اخرى فإنّ نظرةً واحدةً إلى عالم الوجود ـ من المنظومات الشمسية والكواكب والنجوم ، حتى مكوّنات الذرة ، ومن الكائنات الحية الاحادية الخلية ، وحتى الحيوانات العملاقة ، والأشجار العظيمة ـ كافية لإدراك حكمة الخالق ومؤسس هذا البناء البديع.
إنّ جميع الكتب التي كتبت حول العلوم الطبيعية ، والفيزياء ، والكيمياء ، والتشريع ، وعلم الحيوان ، والنبات ، وعلم الفلك والنجوم ، هي في الأساس تشرح حكمة الله تعالى ، وكما قال العلماء : إنّ جميع هذه العلوم هي في الواقع ورقة واحدة من كتاب أسرار عالم الوجود العظيم.