وعليه يتضح لنا أثر الإيمان بالإرادة والمشيئة الإلهيّة على أعمال الإنسان واستعداده لأداء التكاليف الإلهيّة.
وعلى أيّة حال فالحديث هنا يدور حول الإرادة التكوينية أيضاً.
إرادته سبحانه في نُصرة المستضعفين :
تحدثت الآية الثالثة عن أثر الإرادة الإلهيّة في مصير الأقوام ، وأنارت بصيص الأمل في نفوس الامم المظلومة ، قال تعالى : (وَنُرِيدُ انْ نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ ائِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).
إنّ التعبير بالفعل المضارع «نريد» الذي يدل على الاستمرار هو للدلالة على ديمومة وخلود هذه السُنة الإلهيّة المت«مثلة بتسلط المستضعفين وسيطرتهم على زمام الامور في الأرض واندحار الطواغيت المستكبرين.
ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الآية قد تحدثت عن «المستضعفين» لا «الضعفاء» ، أي عن الذين يجاهدون ويقاتلون دوماً ؛ وقد استضعِفوا من قبل أعدائهم لا عن الذين استسلموا للذلة والضعف.
وبضم هذه الآية إلى الآية من سورة الأنبياء : (أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ) نستنتج بأنّ المستضعفين هم اولئك الصالحون المؤمنون المجاهدون.
ويجب الالتفات إلى أنّ كلمة «نمنُّ» مشتقة من أصل «منّ» وهو في الأساس بمعنى الوزن الثقيل ، ثم اطلق على النّعم ذات الأهميّة ، واستعمال هذا التعبير بخصوص الباري عزوجل يدل على اعطائه عزوجل للنعم الثقيلة العظيمة بدون عوض ، أمّا عندما يستعمل بخصوص العباد فهو يعني التذكير بالنعم بقصد المنّ.
وطبعاً هنالك بحوث كثيرة حول هذه السنّة الإلهيّة ، أي حكومة المستضعفين ، وسنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى ، والجدير بالذكر هنا هو أنّ للإيمان بإرادة الله التكونية أثراً تربوياً عميقاً يلهم المؤمنين الصالحين القوة والأمل والاقتدار ، ويزيدهم في مواجهة الظالمين رسوخاً وقوة.