(المشيئة الإلهيّة العامة التكوينية) ، قال تعالى : (يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ انَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَديرٌ).
وردت هذه الجملة في القرآن الكريم بعد أن أشار تعالى إلى خلق مختلف أنواع الدواب من ماء ، فمنهم من يمشي على بطنه ، ومنهم من يمشي على رجلين ، ومنهم من يمشي على أربع ، ونحن نعلم بأنّ تنوع الاحياء بلغ من الكثرة والتشعب بحيث يتجاوز عدد أنواع الحشرات التي درسها العلماء عدّة ملايين ، وهكذا بالنسبة لأنواع النباتات بتركيباتها وخصائصها المتفاوتة ، فإنّ أنواعها بلغت مئات الآلاف ، ممّا تدل بأجمعها على سعة مفهوم الآية المذكورة أعلاه.
والجدير بالذكر أنّ هنالك أنواعاً جديدة من الأحياء تكتشف بمرور الزمان لم تكن موجودة سابقاً ، أي أنّ إيجاد وخلق الحيوانات والنباتات لايتعطل حتى ولا لحظة واحدة! وأساساً أنّ تنوع الظواهر يعدُّ دليلاً على إرادة ومشيئة المظهر المبدي ، لأنّ الصانع العديم الإرادة يخلق اموراً متساوية ومتشابهة ، بينما كلما حلت الإرادة في موضع اصطحبت معها التنوع (١).
المشيئة الإلهيّة :
والآية السادسة تحدثت عن المشيئة الإلهيّة أيضاً ، والحديث هذه المرّة يدور حول مصير العباد وأعمالهم ، فالتفت عزوجل بالخطاب إلى رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله بقوله : (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً* الَّا انْ يَشَاءَ اللهُ). أي عندما تتحدث عن عزمك بالقيام بعملٍ مافي المستقبل فتوكل على المشيئة الإلهيّة دائماً وقل : «إن شاء الله». وهذه الجملة تدلّ على تقدم مشيئة الله على بقية المشيئات وعدم وقوع أي شيء دون مشيئته سبحانه.
وواضح أنّ هذا الكلام لايشير أدنى إشارة إلى مسألة الجبر ، بل يشير إلى غلبة المشيئة
__________________
(١) أشار القرطبي في تفسيره ج ٧ ، ص ٤٧٤ إلى هذا الموضوع.