٢ ـ مامعنى إرادة الله سبحانه؟
لا شك في عدم إمكانية مقايسة مفهوم إرادة الإنسان بالإرادة الإلهيّة ، لأنّ الإنسان يتصور الفعل في البداية (مثل شرب الماء) ، ثم فوائده ، ثم يعتقد بفوائده ، ثم يشتاق ويرغب إلى القيام بذلك الفعل ، فعندما يصل شوقه هذا مراحله النهائية يصدر أوامره إلى العضلات ، فيتحرك الإنسان لانجاز هذا العمل.
لكننا نعلم أنّ كل هذه المفاهيم (التصور والاعتقاد ، والشوق والامور وحركة العضلات) لا معنى لها بخصوص الباري ، لأنّها جميعاً حادثة ، فأين إرادته منها إذن؟
من أجل هذا ذهب علماء الكلام والفلاسفة المسلمون ـ صوب مفهوم يتناسب مع الوجود البسيط المجرد ، وبنفس الوقت يتناسب مع أي نوع من أنواع التعبير الحاصل لدى الله تعالى ، فقالوا : إنّ إرادة الله تعالى على نوعين :
١ ـ الإرادة الذاتية.
٢ ـ الإرادة الفعلية.
١ ـ الإرادة الإلهيّة الذاتية : هي علمه بالنظام الاصلح لعالم التكوين ، وعلمه بخير وصلاح العباد في الأحكام والقوانين الشرعية.
إنّه يعلم أيّ نظامٍ أفضل وأصلح لعالم الوجود ، ويعلم أفضل الأوقات المناسبة لايجاد الموجودات ، وهذا العلم منبع تحقق الموجودات وحدوث الظواهر في الأزمنة المختلفة.
وكذلك فانّه سبحانه وتعالى يعلم مصلحة عباده الكامنة في هذه القوانين والأحكام ، وأنّ روح هذه القوانين والأحكام هي علمه بالمصالح والمفاسد.
٢ ـ إرادته الفعلية عين الايجاد وتعدّ من صفاته الفعلية لذا فإنّ إرادته في خلق السموات والأرض هي عين حدوثها ، وإرادته في فرض الصلاة هي عين وجوبها وفي تحريم الكذب هي عين حرمته.
وخلاصة الكلام هي أنّ إرادة الله الذاتية عين علمه ، وعين ذاته ، لذلك اعتبرناها من فروع العلم وإرادته الفعلية عين الإيجاد والتحقق.