الإنسان للتفكّر في السموات العلى تارةً ، وللتفكر في وجوده الشخصي والتحوّلات العظيمة التي تُلازمه منذ انعقاد النطفة إلى حين الموت تارةً أُخرى.
وتعبيره بعبارة (خلقكُم من ضعفٍ) بدرجة من المتانة حتى كأنّ الإنسان مخلوق من مادتي الضعف والعجز! والحق كذلك ، فنطفة الإنسان بدرجة من الضعف بحيث تفنى لأدنى سبب.
ولكن أرجع البصر وانظر إلى حقيقة ذلك الموجود القوي الذي ينشأ من هذه النطفة الحقيرة ، ويطوي آفاق السماء والأرض ، ولا يقنع بحدّ معينٍ من القدرة والتطوّر العلمي والصناعي ، وعندما يطوي المرحلة التنازلية من منحني القدرة ، يعود إلى نفس ذلك الضعف البدائي!
إنّ كلَّ هذا يدل على قدرة ذلك الخالق الحكيم اللامحدودة.
* * *
المالكية والقدرة :
وفى الآية الخامسة يُلاحظ بعد ذكرها مالكيّة وحاكميّة الباري على السموات والأرض وما فيهنّ ، بيّنت أنّه سبحانه على كُلّ شيءٍ قدير :
(للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ). (المائدة / ١٢٠) وبديهي أنّ سبب هذه الحاكميّة والمالكية هو خالقيته تعالى ، وقطعاً أنّ من خلق جميع هذه المخلوقات المتنوّعة هو على كُلّ شيء قدير ، وبالحقيقة أنّ صدر الآية دليلٌ على ذيلها.
ويحتمل أن يكون هذا التعبير لقطع أمل المشركين بالأصنام وهدايتهم إلى الباري ، ليعلموا أنّ مقدَّرات جميع الأمور ومقاليدها بيده تعالى ، أو لنفي ودحض عقيدة المسيحيين فى تأليه عيسى عليهالسلام ، والتي ورد ذكرها في الآيات السابقة لهذه الآية من نفس السورة.
وعلى أيّة حال فهو أساس لقلع جذور الشرك بجميع أشكاله.