أكدت هذه الآية أيضاً على أنّ خلق السموات والأرض بعظمتها وتنوّعها دليلٌ على قدرة الباري على إحياء الموتى من جهة ، وقدرته على كل شيء من جهةٍ اخرى ، لأنّ جميع ما يمكننا تصوّره إنما هي نماذج في عالم الوجود. والموت والحياة ، وكذلك الكائنات المجهرية والمخلوقات العظيمة جدّاً بكل أبعادها ومن كل شكلٍ ولونٍ ونوع وجنس ، فخلقها من قبل الباري تعالى ، يُعد أفضل دليل على شمولية وهيمنة القدرة الإلهيّة.
* * *
قدرته تعالى على تبديل الأقوام :
ذكرت الآية الثامنة مسألة القدرة الإلهيّة بقَسَم إلهي عميق المغزى ، قال تعالى : (فَلَا اقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ). (المعارج / ٤٠)
قد يُشكِل ذوي الملاحظة السطحية ويقولون : كيف يصح إثبات القدرة الإلهيّة بقَسمِهِ سبحانه؟ ويتضح الجواب عن هذا السؤال من محتوى القسَم) ربّ المشارق والمغارب) ، لأّن (المشارق والمغارب) إشارة غنيّة جدّاً إلى خلق العالم العظيم بنظامه الدقيق ، ففي كلّ يوم تشرق الشمس من مشرق جديد وتغرب في مغربٍ جديد ، واستمرار هذه العملية على مدى ملايين السنين ، وخلق الشمس بعظمتها هذه ، وخلق الكرة الأرضية بكل أسرارها ، والنظام الدقيق الذي يتحكم في حركتهما ، لَخَيْر دليلٍ على شمول القدرة الإلهيّة لكُلّ شيء ، ومنها تبديل جماعة من الكفار المعاندين بأُناسٍ خيرٍ منهم.
هذا فيما إذا فسّرنا القَسَم الوارد في هذه الآية بأنّهُ يتعلِّق بمشارق الأرض ومغاربها طبعاً ، أمّا إذا فسّرناه بمشارق ومغارب الكرات والمنظومات الشمسيّة الفضائية ، لاتضح سعة معناه بصورة أفضل.
والنكتة اللطيفة في أنّ الله تعالى يُقسم نيابة عنهم برب المشارق والمغارب بأنّه قادر على تبديل الأقوام بآخرين خيرٍ منهم ، هي التنبيه إلى أنّ القادر على إخفاء هذه الشمس العظيمة في افق المغرب وإظهارها في اليوم التالي من مشرقٍ جديد ، لَقادر على تبديل هؤلاء القوم بخيرٍ منهم.