فهذه القاعدة الكليّة صادقة فقط بخصوص الأشياء التي لم تكُن من قبل وحدثت فيما بعد ، لا بخصوص واجب الوجود الذي كان موجوداً منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد ، فوجود أزليٌّ لا يحتاج إلى خالق ، لكي نسأل عن خالقه!؟ فهو قائم بذاته ولم يكن معدوماً من قبلُ أبداً ، لكي يحتاج إلى علّة وجوديّة.
وبتعبيرٍ آخر : إنّ وجوده من ذاته لا مِن خارج ذاته ، وهو لم يكُن مخلوقاً ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ أُخرى كان من الأفضل ل (برتراندراسل) ومؤيّديه أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال : لو كان لله خالقٌ فسيرد نفس هذا الإشكال مع الخالق المفترض ، وهو : من خلق ذلك الخالق!؟ ولو تكررت هذه المسألة وافترضنا أنّ لكلّ خالق خالقاً لأدى ذلك إلى التسلسل ، وبطلانه من الواضحات ، ولو توصَّلنا إلى وجودٍ يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى موجدٍ وخالق آخر (أي واجب الوجود) ، فذلك هو الله رب العالمين.
ويُمكن توضيح هذه المسألة ببيانٍ آخر وهو : إننا لو لم نكن من المؤمنين على سبيل الفرض وكُنّا نؤيّد عقيدة المادييّن ، لواجهنا نفس هذا السؤال ، فبتصديقنا قانون العليّة في الطبيعة ، وأنّ كلّ شيء في العالم معلول لآخر ، سيرد هذا السؤال الذي واجهه المؤمنون بالله تعالى وهو : لو كانت جميع الأشياء معلولة للمادّة فما هي العلّة التي أوجدت المادة إذن؟
وسيضطّرون أيضاً للقول : إنّ المادة أزليّة ، وكانت موجودة منذ الأزل ، وستبقى إلى الأبد ، ولا تحتاج إلى علّة وجوديّة ، وبتعبيرٍ آخر هي (واجب الوجود).
وعلى هذا الأساس نُلاحظ أنّ جميع فلاسفة العالم سواء الإلهيين منهم أو المادييّن يؤمنون بوجودٍ أزليٍّ واحدٍ ، وجودٍ لا يحتاج إلى خالقٍ ومُوجد ، بل كان موجوداً منذ الأزل.
والتفاوت الوحيد هو أنّ الماديين يعتقدون بأنّ العلّة الاولى فاقدة للعلم والمعرفة والعقل والشعور ، ويعتقدون بأنّها جسم ولها زمان ومكان. لكن المؤمنين يعتقدون بأنّ العلّة الاولى ذات علمٍ وإرادة وهدف ، وهو الله تعالى وينزّهونه عن الجسميّة والزمان والمكان ، بل يعتقدون بأنّه فوق الزمان والمكان.
وجميع الأدلة التي أوردناها سابقاً في بحوث معرفهّ الله تعالى تؤيد هذه الحقيقة ، وهي