يظهر من لحن الآية ـ كما قال الفخر الرازي في تفسيره أنّها تُفيد الحصر (١) ، أي أنّ الحي حقيقةً هو الله وحده ، وإن كان للآخرين حياة فهي زائلة ومقرونة بالموت التدريجي ، ولذلك ليست لهم اللياقة للُالوهية والمعبوديّة ، ومن هنا يتضح ضرورة الإخلاص له في الدين والعبادة ونفي كل أنواع الشرك عنه.
* * *
يستفاد من مجموع الآيات المذكورة أنّ وصف الله عزوجل بالحياة الباقية لا يُقصد منه الحياة المشوبة بالموت والهلاك والفناء أو التغيُّر ، بل هي الحياة الملازمة لقيامه بذاته وقيام الموجودات الاخرى به ، الحياة التي تشع على المخلوقات ، وتلهم التوكُّل والإخلاص ، وبالنتيجة حياة تعطي درساً في التوحيد وتنفي كل ألوان الشرك.
توضيحان
١ ـ حقيقة الحياة
إنّ تقسيم الموجودات إلى قِسمين ، موجودات حيّة وموجودات ميّتة ، تقسيم يفهمه كُلّ واحدٍ من الناس مهما كان مستواه من الفهم والشعور ، لأنّه يرى بعينيه التفاوت الموجود بين الموجودات الحية والميتة ، ومع ذلك فقد عجز أذكى العلماء عن الإجابة عن هذا السؤال : ما هي حقيقة الحياة؟ فهم يقرّون أنّ الحياة ظاهرة معقدة جدّاً وذات أسرارٍ لم يتوصل العلم والعقل البشري إلى أعماقها لحد الآن!
لذا يُعَدُّ خلق موجودٍ حيٍ (وحتى خلية واحدة بسيطة لها أبسط صور الحياة) عملاً شاقّاً ومعقّداً جدّاً بالنسبة للإنسان ، وقد طالع العلماء سنوات عديدة في هذا المجال ولا يزالون عاجزين عن القيام بذلك ، وعلى فرض أنّهم سيستطيعون يوماً ما وبإلاستعانة بوسائل وطرق طبيعية مختلفة خلق خلية حيّة من موادٍ طبيعيّة ميتة فسيواجهون العجز أيضاً في
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ٣٦٦ ؛ وتفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٨٤.