والثاني : بمعنى السباحة والتحرُّك السريع في الماء ، (من مادّة سبح وسباحة).
ولكن يُمكن إرجاع كلا هذين المعنيَين إلى أصل واحدٍ وهو الحركة السريعة ، سواءً في طريق العبادة والتعبُّد ، وتنزيه وتقديس الله تعالى عن كل عيبٍ ونقص ، أو في الحركة السريعة في الماء ، أو الهواء ، أو على الأرض. لأنّ الحركة تقرّب الإنسان من شيء وتُبعّده عن شيءٍ آخر.
ففي الموقع الذي تعني فيه التنزيه عن العيب تأخذ جانب الابتعاد ، وفي الموقع الذي تأتي فيه بمعنى السباحة وشق الماء والهواء تأخذ جانب التحُّرك (١).
جمع الآيات وتفسيرها
كل الخلائق تسج لله :
الآية الأولى من بحثنا واردة في تسبيح عامّة موجودات العالم ، وهذا ما أكدته الكثير من الآيات القرآنية بتعابير مختلفة ، ويُعتبر هذا البحث من البحوث القرآنية الطريفة جدّاً ، قال تعالى : (يُسَبِّحُ للهِ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكْيِمِ).
فَلِسان حال الكون وأسراره المذهلة تحكي عن علم الله تعالى اللامحدود وقدرته اللامتناهية وكماله المطلق ، والجميع يقدسون الله عزوجل وينزّهونه وينفون عن ذاته المقدّسة كُلّ عيبٍ ونقص ، لأنّ كل من ينظر إلى هذه الموجودات بدقّة يقف على عظمة خالقها ومديرها ومدبّرها.
ويعتقد جماعة من المحققين أيضاً أنّ موجودات العالم المختلفة تُسبح الله تعالى حقيقة ، وبلسان القال لا بلسان الحال فقط ، لأنّ لكل نوعٍ منها حصّة من الإدراك والشعور والكيفية الخاصة لتقديس الباري تعالى ، وما المانع في تحقُّق كلا الأمرين (لسان الحال والقال) في بيان هذه الحقيقة؟
لذا فإنّ كلمتي (يُسبّح) و (القدوس) في هذه الآية الشريفة تُعّدان كلاهما إشارة لطيفة
__________________
(١) مقاييس اللغة ؛ مفردات الراغب ؛ مصباح اللغة ؛ لسان العرب ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم مادّة (سبح).