وما ورد في بعض كلام (الأشاعرة) أنّ هذا التوبيخ والعقاب الذي نزل بهم كان بسبب طلبهم هذا الشي من الله تعالى في الدنيا ، مع كون الآخرة هي محل المشاهدة! (١) يُعدُّ كلاماً ضعيفاً جدّاً.
لأنّ التفاوت الموجود بين الدنيا والآخرة في مثل هذه الموارد موضوع لا يستحق التوبيخ والعقاب ، ولحن الآية يدل على أنّهم قد ارتكبوا إساءة فظيعة تجاه ساحة القدس الإلهيّة ، وهي وصفهم الذات الإلهيّة بصفة لا تليق به سبحانه ، بل هي خاصّة بالممكنات ، وإنّهم سلكوا طريق الشرك.
وأمّا ماهو مقصود أهل الكتاب بطلبهم إنزال كتاب من السماء عليهم؟ فهناك تفاسير متعددة :
قيل : إنّ مقصودهم هو الإستهانة بالقرآن ، وسألوا الرسول أن يُنّزل عليهم ألواحاً كالألواح التي نزلت على موسى عليهالسلام.
وقيل : إنّهم كانوا يريدون كتاباً خاصّاً بهم أو برؤسائهم وكبرائهم!
وقيل أيضاً : إنّهم كانوا يريدون كتاباً خاصّاً من الله تعالى يدعوهم إلى الإيمان بالرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.
وأيّا كان من هذه المعاني فإنّه يدل على عنادهم والحاحهم وعدم تسليمهم للحق ، وبديهي أنّ مثل هذا الطلب يستحق التوبيخ والعقوبة.
* * *
عدم امكانية رؤية الله!
وأمّا الآية الرابعة والأخيرة فقد وبّخت وبشدة اولئك الذين سألوا الرؤية.
قال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ لَايَرجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَو نَرَى رَبَّنَا). إنّ استكبارهم وعدم إيمانهم بالمعاد كان وراء طلبهم هذين الأمرين ، ثم يضيف تعالى : (لَقَدِ
__________________
(١) تفسير الكبير ، ذيل الآية ٥٥ من سورة البقرة.