الطائفة الثانية : وهم المجسّمون الذين يعتقدون بأنّ لله جسماً ، وعليه يُمكن رؤيته.
الطائفة الثالثة : وهم جماعة (أبو الحسن الأشعري) (١) : أحد متكلمي القرن الثالث ، ولهم كلام عجيب حول هذه المسألة ، فهم يقولون : «بالرغم من أنّ الله عزوجل مجرّد عن الجسميّة والمادّة ولكن يُمكن رؤيته ، وهذه الرؤية تتحقق في الآخرة فقط ، لا في الدنيا ، فهنالك يرى المؤمنون الله تعالى بالعين المجردة!».
يقول (فاضل القوشچي) في (شرح تجريد العقائد للشيخ الطوسي) : «اعتقد الأشاعرة بإمكانية رؤية الله ، فالمؤمنون يرونه في الجنّة؟ لكنها رؤية منزهة عن المقابلة وخالية من الجهة والمكان.
ثم أضاف : اتفق جميع القائلين باستحالة الرؤية البصريّة على أنّ الانكشاف العلمي التام ممكن (إمكانية رؤيته تعالى بعين العقل والقلب) ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ اخرى اتفق القائلون بامكانية الرؤية البصرية أيضاً على استحالة تشكُّل صورة الباري تعالى في عين الإنسان ، أو رؤيته بواسطة الاشعة الخارجة من العين» (٢).
ويجدر الأنتباه إلى وجود رأيين بين الفلاسفة الماضين حول حقيقة الرؤية ، فجماعة كانوا يؤيدّون خروج الشعاع ويقولون : الرؤية هي خروج شعاعٍ من عين الإنسان ووصوله إلى الشيء المرئي فيراه الإنسان).
وجماعة آخرون اعتقدوا بأنّ حقيقة الرؤية هي تشكل صورة المرئي في العين ، ونحن نعلم أنّ علماء العلوم الطبيعيّة اليوم يؤيدون النظريّة الثانية ، وأثبتوها بأدلّةٍ حسيّة وقالوا : (إنّ تركيب العين من هذه الناحية يشبه بالضبط آلة التصوير ، فلابدّ أن ينعكس النور
__________________
(١) كان اسمه على بن اسماعيل ، ويرجع نسبه إلى أبي موسى الأشعري ، ولدَ في البصرة عام ٢٦٠ أو ٢٧٠ ، وفي البداية كان يميل إلى مباني مذهب المعتزلة ، ثم عدل إلى مذهب الله ومخلوقية القرآن ، وابتدع مذهباً جديداً في أصول الدين كان أقرب إلى ذهن العامة وأكثر استحساناً من قبل المتعصبين ، لذا فقد اعتنق الكثير مذهبه ، وسلك طريقه جمع من العلماء كالغزالي وأبي بكر الباقلاني والفخر الرازي والشهرستاني وأبي اسحاق الشيرازي وقام بترويج عقائده بعض أرباب السلطة الذين اتخذوا من الدين وسيلةً لنيل مآربهم السياسيّة أمثال الأيوبيين في مصر والشام والموحدين في المغرب. (دائرة المعارف ، أبو الحسن الأشعري ـ بتلخيص بسيط).
(٢) شرح القوشچي ، ص ٤٣٥ و ٤٣٦.