المعنوي أيضاً ، والمقصود في هذه الآية هو المعنى الثاني لا الأول ، وذلك بقرينة الآية التي سبقتها حيث تقول : (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين / ١٤)
إنّ المقصود هنا من الرَّين هو الرَّين المعنوي لا الظاهري.
والشاهد الآخر هو الآية الخامسة من سورة فُصّلت التي تخبر عن قول الكفار : (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ). ومن المُسلَّم أنّ الحجاب الذي كان بين الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله والكفّار لم يكُن حجاباً ظاهرياً.
وفي قوله تعالى : (جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً). (الاسراء / ٤٥)
وعليه فإنّ الكفّار محرومون من اللقاء المعنوي مع ذلك المحبوب ، وذلك لوجود الحجاب بينهم وبين الله تعالى ، والآية الثالثة التي استعانوا بها لإثبات مقصودهم هي : (أَنَّهمْ مُّلاقُوا رَبِّهِمْ). (البقرة / ٤٦)
وقالوا : إنّ الملاقاة تعني المشاهدة.
في حين أنّ الآيات القرآنية تدل بوضوح على أنّ اللقاء يوم القيامة بأي مفهومٍ كان لا يخص المؤمنين ، بل يتساوى فيه المؤمن والكافر ، بينما نجد أنّهم يعتقدون بأنّ رؤية الله في القيامة خاصّة بالمؤمنين فقط ، والدليل على عمومية اللقاء ما ورد في قوله تعالى :
(يَاايُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلَاقِيهِ). (الانشقاق / ٦)
إذن فالمخاطَب في هذه الآية جميع الناس. وكما ورد في قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُم نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِم إِلَى يَومِ يَلْقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوه وَبِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ). (التوبة / ٧٧)
فهذه الآية خاصّة بالمنافقين ، وفي نفس الوقت فانّها تثبت أنّ لهم لقاء الله ، وعلى هذا يتضح أنّ لقاء الله ، بأيّ مفهومٍ كان ، يشمل كلاً من المؤمنين والكافرين ، في حين أنّهم يعتقدون باختصاص هذا الموضوع بالمؤمنين.
والجدير بالذكر أنّ كلمة (لقاء) في الأصل اللغوي بمعنى حدوث تماس بين شيئين ، لا بمعنى الرؤية والمشاهدة ، ونحن نعلم باستحالة تحقق هذا الأمر بخصوص الباري تعالى ،