الله الإجماليّة ليست ممكنة فقط بل لازمة أيضاً ، أمّا معرفة الله التفصيليّة ، أي التوصل إلى حقيقة وكنه الصفات والذات الإلهيّة المقدّسة ، والاحاطة العلميّة بها ، فهي غير ممكنة.
* * *
٢ ـ لم لايصل العقل إلى كُنه ذاته وصفاته؟
لقد أشرنا سابقاً إلى دليل هذا الموضوع ، ونذكره هنا بشي من التفصيل فنقول : إنّ النقطة الأساسيّة تكمن في نزاهة الذات الإلهيّة المقدّسة عن المحدودية من جهة ، ومحدودّية عقولنا وعلومنا من جهة اخرى.
فالله عزوجل وجودٌ لا نهاية له من جميع الجهات (كما أثبتنا ذلك في البحوث السابقة) ، فذاته كصفاته غير محدودة وغير متناهية ، ومن جهةٍ اخرى فنحن محدودون ، وجميع مايتعلق بنا من علمنا وقدرتنا وحياتنا والمكان والزمان الذي نعيش فيه ، محدود أيضاً.
وعلى هذا فكيف يمكننا مع هذه المحدوديّة أن نحيط بذلك الوجود اللامحدود وصفاته؟ وكيف يستطيع علمنا المحدود أن يخبر عن ذلك الوجود اللامحدود؟
أجل ، إنّه بإمكاننا في عالم الفكر والتفكُّر أن نلمح شبحاً من بعيد ، ونشير إجمالاً إلى ذاته وصفاته ، أمّا الوصول إلى كُنه ذاته وصفاته ، أي الاحاطة التفصيلية به ، فهي غير ممكنة بالنسبة لنا ـ هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى فإنّ الوجود اللامتناهي ليس له مثيل أو نظير من كل ناحية ، وفرد لا كفؤ له ، فلو كان له كفؤ أو نظير لكان كلاهما محدودين (ورد تفسير هذا المعنى بصورة كاملة في أبحاث التوحيد في المجلد الثالث من هذا التفسير).
فكيف يمكننا أن ندرك وجوداً لا نعرف له كفؤاً ولانظيراً أبداً؟ ، وكل ما نراه من الممكنات هو غيره ، وصفاته تتفاوت تماماً عن صفات واجب الوجود (١).
__________________
(١) إن لم يكُن عجباً فإننا لانستطيع أن نتصور حتى مفهوم (اللامتناهي) فإن قيل لنا كيف تستعملون كلمة (اللامتناهي) إذن؟ وتتحدثون عنها وعن أحكامها؟ فهل يمكن التصديق بدون التصوّر؟!