إنّه تعالى أقرب إلى كل إنسان من وريد قلبه ، إذن فهو حاضر في كل مكان ، حتّى في أرواحنا وقلوبنا ، ومن الواضح أن وجوداً كهذا هو فوق المكان ، لأنّ الشي الواحد لا يمُكن أن يكون بجميع وجوده في مكانات متعددة ، إلّاأن يكون ذا أعضاءٍ يشغل كل واحدٍ منها مكاناً معيناً.
وقد ورد نفس هذا المفهوم في الآية السادسة والأخيرة من بحثنا والذي يخصُّ المحتضرين الذين أشرفوا على نهاية حياتهم ، قال تعالى : (وَأَنتُم حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ* وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنكُم وَلَكِن لَّاتُبصِرُونَ).
فيقول نحن نعلم جيداً بما يجري في باطن ذلك المحتضِر ، وأي غوغاء قائمة في عمق وجوده! هل هو سرور لتحرُّره من سجن البدن وانطلاقه إلى رياض الجنّة ، أم هموم لمشاهدته العقوبات الإلهيّة بسبب أعماله الظلامية التي ارتكبها؟!
لكنكم لا ترون أي واحدةٍ من هذه المسائل ولا تعرفونها.
وقد حمل بعض المفسرين ـ الذين لم يدركوا مفهوم القرب الإلهي من الإنسان بصورة صحيحة ، ـ هذه الآية على المعنى المجازي ، فقالوا : إنّ ملائكة الموت أقرب إليه منكم ولكنكم لا تبصرونهم.
ولكن بالإلتفات إلى كون هذا التعبير وأمثاله ـ كما عرفنا ذلك في الآيات السابقة ـ لاينحصر بالشخص المحتضِر ، حيث شمل جميع الناس بتعابير مختلفة ، فقد اتضحَ بُطلان هذا التفسير.
وتأكيد الآية على قرب الله تعالى من المحتضِر فقط ، دلالة على أنّ الكلام يدور حول هذا الموضوع ، وبصورة عامّة فإنّ هذه الآية تُعَدُّ دليلا" واضحاً آخر على انعدام المكان بالنسبة إلى الله تعالى.
نتيجة البحث :
يتضح جلّياً من مجموع الآيات الآنفة الذكر أنّها تتطرق إلى حقيقة واحدة بتعابير متنوّعة ، وهي أنّ الله موجود في كل مكان ، ويُشرف على الكون ، في الوقت الذي ليس له