ومن جهة اخرى ، لا يمكن تصور المكان بدون محدوديّة ، لأنّه ينبغي تصور جسمين بصورة منفصلة عن بعضهما ليتّضح مفهوم المكان من مقايسَتهما مع بعضهما ، لذا يقول هؤلاء الفلاسفة : إنّ كُلّ العالم ليس له مكان لأنّه لا يوجد شيء خارج عنه ليُقاس به ، أمّا المكان فلأجزاء العالم فقط.
ومن جهةٍثالثة إذا كان لله مكان لاستلزم أن يكون له أعضاء وأجزاء ، لأنّ ذرات الجسم ـ بالقياس مع بعضها ـ تمتلك أمكنة مختلفة ، كأن تكون إحداها في الأعلى والاخرى في الأسفل ، إحداها في جهة اليمين والاخرى في جهة اليسار ، وإذا اعتقدنا بتركيب الله تعالى فستبرز مسألة حاجته إلى هذه الأجزاء والتي لاتتناسب مع وجوب وجوده.
ونفس هذا البحث يرد في مفهوم الزمان ، فالذين يعتقدون بأنّ الزمان ظرف مخلوق قبل الأشياء ، والأشياء الماديّة تدخله بعد الخلق والتكوُّن وتحتاج إليه ، وبتعبيرٍ آخر : الزمان حقيقة مستقلّة سيّالة مخلوقة قبل جميع الأشياء الماديّة ، ويُمكن أن يكون موجوداً حتّى بعد فنائها ، في هذه الحالة يتّضح عدم إحاطة الزمان بالله تعالى ، لأنّه يستلزم الحاجة إلى شيء وهو الغني عن كُلّ شيء.
وإن اعتقدنا ، ـ طبقاً لنظرية الفلاسفة المتأخرين ، ـ بأنّه وليد حركة أشياء العالَم أو الحركة الجوهريّة للأشياء ، فإنّه محال بشأن الباري ، لأنّه وجود كامل وغير محدود من كل ناحية ، ووجود كهذا لا يمكن تصور الحركة بشأنه (أي لا مفهوم لها) ، إذن لا يسعه الزمان.
٢ ـ لا يحلُّ الله في شيء
يعتقد جماعة من المسيحيين بأن الله تعالى قد حل في المسيح عليهالسلام ، واعتقد جماعة من المتصوّفة بمثل ذلك في أقطابهم ، إذ قالوا إنّ الله تعالى قد حلَّ في وجودهم.
وكما قال العلّامة المرحوم الحلّي رحمهالله في (كشف المُراد) : «لا ريب في سخافة وزيف هذه العقيدة ، لأنّ ما يُمكن تصوُّره من الحلول هو : أنّ يحل موجود قائم في موجودٍ آخر ـ كقولنا : حلّ العطر في الورد ـ وهذا المعنى لا يُمكن تَصوره بخصوص الله ، لأنّه يسْتلزم اشغال حيزّ