وجاءت كلمة (رؤوف) من مادّة (رأفة) وتعني (الرحمة) ـ حسب قول الراغب الإصفهاني ـ والجدير بالذكر أنّ تسعة حالات من الإحدى عشرة حالة التي وردت فيها هذه الصفة الإلهيّة في القرآن الكريم رافقتها صفة (الرحيم) (١) ، لذا فإنّ صِفَتيْ (رحيم) و (رؤوف) توكّدان مفهوم بعضهما البعض.
وهنالك جدال بين المفسّرين والمتكلّمين حول الاختلاف الموجود بين صفتي (رؤوف) و (رحيم)؟ فاعتقد البعض منهم بأنهما تعطيان مفهوماً واحداً ، وعليه فإنّ ذكرهما إلى جنب بعضهما ذو صبغة تأكيد على الرحمة الإلهيّة اللامتناهية.
في حين وضَعَ البعضُ الآخر ـ كابن الأثير في نهايته ـ فرقاً بينهما ، وهو : إنّ الرأفة مرحلة أدقّ وأسمى من الرحمة ، ولا تستعمل أبداً في المسائل الرديئة ، لكن الرحمة تستعمل في المسائل المكروهة التي توجد من ورائها مصلحة معينة (فقد يُمكن أن يُقال : إنّ الرحمة التي يحملها فلان دفعت به إلى قطع إصبعه المتعفّن وقايةً من سريان العفونة إلى بقية أعضاء بدنه ، لكنه لا يصح استعمال تعبير «الرأفة» هنا) (٢).
يقول المرحوم الكفعمي في مصباحه حول تفسير هذه الكلمة : (قال البعض : إنّ الرأفة مرحلة أسمى من الرحمة ، في حين اعتقد البعض الآخر بأنّ دائرتها أكثر محدوديّة من دائرة الرحمة).
يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في ذيل الآية ١٢٨ من سورة التوبة : يعتقد البعض بأنّ صفتي (رؤوف) و (رحيم) لهما مفهوم واحد ، ماعدا كون الرأفة مرحلة أقوى من الرحمة ، في حين قال جماعة آخرون : (تستعمل كلمة رؤوف) في المطيعين و (رحيم) في المذنبين ، ثم نقل عن بعض العلماء السالفين قولهم إنّ الله لم يجمع بين هاتين الصفتين بحقِ أيٍّ من أنبيائه ، لكنّه فعل ذلك كرامةً لنبيِّ الإسلام محمد صلىاللهعليهوآله حيث وصفه في هذه الآية : (بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ، وكذلك وصف ذاته جلّ وعلا حيث قال : (إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). (٣) (البقرة / ١٤٣)
__________________
(١) البقرة ، ١٤٣ ؛ التوبة ، ١١٧ ؛ التوبة ، ١٢٨ ؛ النحل ، ٧ و ٤٧ ؛ الحج ، ٦٥ ؛ النور ، ٢٠ ؛ الحديد ، ٩ ؛ الحشر ، ١٠.
(٢) نهاية ابن الأثير ، مادّة (رأف) ، ونفس هذه المادّة في (لسان العرب) و (مجمع البحرين).
(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٨٦.