يعلم عباده حقيقة الإيمان عن طريق آياته ودلائله ، ومن يؤمّن ظلمه وجوره عباده» (١).
ولكن الحق هو أنّ مفهوم (المؤمن) لايتحدد بأي واحدٍ من هذه المعاني ، بل لها معنىً جامعٌ يشتمل على جميع ما ذكرناه ، واستعمال كلمة (مؤمن) ، كصفة من صفات الله ، في هذا المعنى الشامل لايستوجب استعمال اللفظ في معانٍ مختلفة ، لأنّها شاملة بما فيه الكفاية (علاوةً على عدم وجود مانع من استعمال لفظ مشترك في معانٍ متعددة).
لذلك فهو (المؤمن) ، لأنّه يؤمن عباده المؤمنين من عدّة نواحٍ ، وأيضاً لأنّه يوجِدُ روح الإيمان في قلوب عباده عن طريق إراءتهم آياته في الافاق وفي أنفسهم ، علاوةً على أنّه يصدّق ويؤيّد رُسله عن طريق إظهار المعجزات ، وكذلك لأنّه يفي بما وَعَدَ به عباده من الثواب والعقاب.
أمّا البلاغ الذي تحمله هذه الصفة الإلهيّة في طيّاتها فهو أنّها تبيّن عظمة مقام (المؤمن) ، لأنّ هذا الاسم هو أحد أسماء الله ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى إنّ الإنسان المؤمن يحسّ بالأمن والسكينة في ظلّ هذه الصفة لأنّها مصدر جميع أنواع الأمان.
ومن جهة ثالثة أنّ الإنسان المؤمن في حال التخلق بهذه الصفة الإلهيّة ، يسعى لمشاركة الآخرين في هذا الأمان فيأمَنُ الناس من لسانه ويده وفكره أيضاً!.
لذا فقد ورد في حديثٍ عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «المؤمن من آمن جارُهُ بوائقه».
وقال أيضاً : «المؤمن الذي يأتمنهُ المسلمون على أموالهم وأنفسهم» (٢).
٥٧ ـ المحيي
تُعد مسألة الحياة من أبرز آيات الله في عالم الوجود ، فالحق أنّ الكائنات الحيّة أعقد وأعجب آثار عظمته (جلّ وعلا) ، لهذا فقد استند إليها القرآن كثيراً في مباحث التوحيد
__________________
(١) توحيد الصدوق ، ص ٢٠٥ (باب أسماء الله تعالى).
(٢) كلا الحديثين عن توحيد الصدوق ، ص ٢٠٥ ، والحديث الأول ورد أيضاً في أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٦٨ (باب حق الجوار ، ح ١٢).