ويمكن تصور أنواع اخرى من الحياة ، ومن جملتها الحياة المعنوية أي الإيمان ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في آياتٍ عديدة.
وعلى أيّة حال فقد تجلّت صفة «المحيي» في الله سبحانه وتعالى من عدّة جهات : في عالم النبات حيث نلاحظ أنّ الكرة الأرضية مغطّاة من أقصاها إلى أقصاها بأنواعٍ مختلفة من الأشجار ، الأزهار ، الأعشاب الصغيرة والكبيرة ، المائية والبرّية ، في الغابات وفي الصحراء ، الطبيّة والغذائية ، بحيث إنّ التدقيق في تنوّعها وعجائبها يهدي الإنسان إلى ذلك المُبدىء العظيم لعالم الوجود.
وأمّا في عالم الحيوان فقد خلق سبحانه أنواع وأقسام الأحياء المائية والبرّية ، الطيور ، الحشرات ، الحيوانات الوحشية والأليفة ، الأحياء المجهرية والعملاقة ، وبالتالي الإنسان الذي يعدّ النموذج الأتم للحياة.
ومن البديهي أنّه كلّما ازدادت الحياة تعقيداً ازدادت أسرارها وصارت أكثر دهشة ، وهذا في الحال الذي لا يزال أصل حقيقة الحياة وكيفية خروج الحي من الميت مجهولة ، ولم تزل مساعي وجهود آلاف العلماء الفطاحل فاشلة في طريق حلّ هذا اللغز.
وعندما نجتاز هذه المرحلة ، تبدأ مرحلة الحياة المعنوية الروحانية التي وضع الله أُسُسَها عن طريق الوحي وانزال الكتب السماوية وإرسال الأنبياء والرسُل ، كما قال سبحانه : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحيَينَاهُ). (الأنعام / ١٢٢)
وقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً). (النحل / ٩٧)
وقد أشارت الآيات القرآنية وأكّدت مراراً على هذا النوع من الإحياء الإلهي.
والأعلى من هذه المرحلة أيضاً ، هو مرحلة الإحياء الأخروية ، حيث يحيي سبحانه العظام وهي رميم ، يُحييها حياةً خالدة لا تعرف بعدها أي لونٍ من الموت.
وعلى هذا الترتيب يكون اتّصاف الباري بصفة الحياة (المحيي) في الدنيا والآخرة مصدراً لأهم وأوسع مظاهر خلقه ، وأمّا بلاغ هذه الصفة الإلهيّة ، فمن جهة الانتباه إلى هذه