الثاني : إنَّ هذه الصفات لها مفهوم تفضيل وقياس ، لكنّه قياسٌ صوريٌّ وظاهري كما هو الحال في (أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) ، والحقيقة فقد اعتُبِرَ الذين هم واسطة لإيصال الأرزاق إلى غيرهم (رازقين) ، وحُملت الرحمات الجزئيّة الصادرة من البشر على حساب (الرحمة) ، وهكذا بخصوص النصرة والحاكميّة والغفران ، ومن قبيل هذه التعابير ليست قليلة في القرآن الكريم (انتخب المرحوم العلّامة المجلسي في بحار الأنوار التفسير الثاني) (١).
وبتعبيرٍ آخر : (من الناحية الفلسفية) فإنّ الوجود الحقيقي المستقل القائم بذاته هو الذات الإلهيّة المقدّسة ، وما سواه عدم ، وجود ظاهري ، كسراب الماء ، لذا فإنّ الموجودات الممكنة لا هي خالقة ولا ناصرة ولا راحمة ولا رازقة ، فجميع هذه الأمور تخص تلك الذات المقدّسة الفريدة ، ومن سواه يأكلون من فتات مائدة إحسانه جل وعلا ، لذا فقد قيل : «ليس في الدار غيره ديّار!».
ولكن من حيث التحليل العادي المتعارف فإنّ الممكنات لها وجودها الخاص أيضاً ، ورحمتها ونصرتها وقدرتها وحاكميتها الخاصّة ، وورود مثل هذه التعابير في القرآن الكريم إنّما هو من باب تكليم الناس بلسانهم : (وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَومِهِ). (ابراهيم / ٤)
* * *
جمع الآيات وتفسيرها
١ ـ العالَم مظهرٌ لصفاته وأسمائه
من المتعارف عليه أنّ عالَم الوجود محلُّ بروز وظهور الصفات الإلهيّة ، وهذه المسألة واضحة تماماً خصوصاً بالإلتفات إلى صفات الفعل ، لأنّ جميع ما نشاهده في هذا العالَم من الخلق والتكوين مظهر لخالقيته سبحانه وتعالى.
وجميع ما نشاهده من الرحمة الماديّة والمعنويّة مظهرٌ لرحمانيته.
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ٢٠٧ (يقول : الخير بمعنى التفضيل ولا حاجة إلى ما تكلّفه).