بشكل معيَّن : فقد قال جماعة من الحنابلة : إنَّ كلام الله مركّب من الحروف والأصوات القديمة والقائمة بذاته المقدّسة ، ثم أصرّوا على هذا الكلام التافه إلى الحدّ الذي قالوا : إنّ جلد القرآن أيضاً قديم وأزلي ناهيك عن رسوم حروفه.
وقالت جماعة اخرى : إنّ كلام الله معناه تلك الحروف والأصوات ، وهي أمور حادثة وقائمة بالذات الإلهيّة المقدّسة في نفس الوقت ، وتفاهة كلام هؤلاء ليس بأقلّ من الحنابلة.
وذهبت طائفة ثالثة إلى أنّ كلام الله معناه تلك الحروف والأصوات ، وهي حادثة وغير قائمة بذاته المقدّسة ، بل هي من زمرة مخلوقاته التي أوجدها الله في وجود جبرائيل أو الرسول محمّد صلىاللهعليهوآله ، أو شجرة موسى عليهالسلام.
وقالت جماعة رابعة وهم «الاشاعرة» : إِنَّ كلام الله ليس من سنخ الأصوات والحروف ، بل هو مفاهيمٌ قائمة بذاته ويسّمونه (كلام نفسي) ، ويعتقدون بكونه قديماً (١) ، وحتى كانوا يعتقدون بكفر من يعتقد بحدوث كلام الله (أي القرآن) (وأوجبوا قتله!) (٢).
وقد شهدت القرون الأولى من تاريخ الإسلام نزاعات شديدة ودمويّة حول (كلام الله) وكونه حادثاً أو قديماً ، ووصلت الحالة إلى تكفير بعضهم الآخر ، نزاعات وقفنا اليوم على بطلانها ، ويمكننا القول وبجرأة : إنّها كانت من سياسة حكومات ذلك الوقت لتخدير الشعب المُسلمِ والعمل بسياسة (فرّق تسُدْ).
* * *
٢ ـ الإستنتاج النهائي
على أيّة حال فهنا توجَدُ مطالب عديدة ، جميعها واضحة ، ونعتقد بأن لا محلّ للمناقشة فيها.
١ ـ إنّ الله قادرٌ على إحداث أمواج صوتية في الفضاء ، وإيصالها إلى مسامع أنبيائه
__________________
(١) شرح تجريد العقائد للقوشچي ، ص ٤١٧.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ، ج ١ ، ص ١٠٦.