ورسله لإبلاغهم بهذه الطريقة ، كما ذكر القرآن حول تكليم الله موسى بن عمران عليهالسلام في الوادي (الأيمن) ؛ حيث أوجد الله في تلك الشجرة المباركة الخاصّة أصواتاً دعا موسى بواسطتها إليه.
٢ ـ (التكلَّم) بمعنى التحدُّث باللسان وعن طريق الأوتار الصوتيّة ، من عوارض الأجسام ، ولا معنى له بخصوص الله المنزّه عن الجسمانيّة ، سوى ماذكرناه من إيجاد أمواج صوتية في الأجسام.
٣ ـ القرآن الكريم الذي في متناول أيدينا هو عين هذه الألفاظ والحروف التي قد تظهر في قالب الكلام أحياناً ، وفي قالب الكتابة أحياناً اخرى ، ولا ريب في أنّ كليهما من الحوادث ، وما قاله البعض من كون هذه الألفاظ والحروف قديمة أو وجوب الاعتقاد حتى بقدم جلد القرآن وأزليته ، خرافات لاتستحق أن نبحثها.
ويبدو أنّ الذين اعتقدوا بِقِدَم كلام الله ، كان منشأ اعتقادهم هو ذكر القرآن الكريم (التكلُّم) كإحدى صفات الله ، ومن هنا سمي القرآن بكلام الله ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ اخرى هو كون وجود الله أزلياً ، إذن فصفاته يجب أن تكون أزلية أيضاً ، ومنه استنتجوا بأنّ كلام الله أزليٌّ أيضاً.
إنَّ هؤلاء وبسبب ضعف إدراكهم وقلّة معلوماتهم لم يستطيعوا التمييز بين (صفات الذات) و (صفات الفعل) ، فصفات ذاته أزليّة (كالعلم والقدرة) ، أمّا الصفات التي ينتزعها عقلنا بسبب صدور أفعال معينة من قِبَلِهِ جلّ وعلا ، فهي أمور حادثة ، لأنّ هذه الصفات غير قائمة بالذات الإلهيّة ، بل هي مفاهيم عقليّة منتزعة تحصل من ملاحظة أفعاله.
وبتعبيرٍ آخر لا شك من وجود أفعال إلهيّة حادثة كخلق السموات والأرض ، وخلق آدم ، ومسألة الرزق ، وغفران ذنوب العباد ، وإرسال الأنبياء والرسُل ، وعندما يُشاهد العقل صدور هذه الأفعال من جهته ينتزع منها صفات لله سبحانه (كالخالقيّة والرازقية والغفارية) ، ومن المسلَّم به أنّ هذه الصفات لم تكن تصدق على الله قبل أن يخلق موجوداً أو يعطيه رزقاً أو يشمله بمغفرته ، (طبعاً كان قادراً على هذه الأمور ، لكن الحديث لا يدور حول القدرة بل حول صدور عين هذه الأفعال).