وفي المقابل ، كان الكثير من حكّام بني العبّاس يميلون إلى الأشاعرة ، ويضربون أعناق القائلين بحدوث كلام الله ، في حين أننا اليوم نعلم بأنّ كل هذه الأمور كانت ألاعيب سياسيّة ظهرت بشكل مسائل عقائدية ، وكان الحكّام الجبابرة آنذاك يلعبون بمعتقدات المسلمين من أجل بلوغ مقاصدهم المشؤومة ومواصلة تسلُّطهم على رقاب الناس.
* * *
٣ ـ (التكلُّم) في الروايات الإسلامية
نواصل هذا الكلام برواية منقولة عن الإمام الصادق عليهالسلام ، نقلها الشيخ الطوسي رحمهالله في (الأمالي) عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال :
«لم يزل الله جلّ اسمه عالماً بذاته ، ولا معلوم ، ولم يزل قادراً بذاته ولا مقدور ، قلتُ : جُعِلْتُ فداك : فلم يزل متكلّماً؟ قال : الكلامُ محدث ، كان الله عزوجل ليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام» (١).
وقد نقل المرحوم الكليني قدسسره نفس هذا الحديث في الكافي مع تفاوُتٍ بسيط ، حيث ورد في ذيله بصراحة :
«إنَّ الكلام صفةٌ مُحدَثة ليستْ بأزليّة ، كان الله عزوجل ولا متكلّم» (٢).
تُبيّن هذه العبارات بوضوح الفرق الموجود بين (صفات الذات) و (صفات الفعل) ، صفات الذات التي كانت منذ الأزل كالعلم والقدرة ، ولا تحتاج (في تحقُّقها) إلى وجود المخلوقات ، أمّا (صفات الفعل) فهي صفات خارجة عن الذات الإلهيّة وقد انتزعها العقل عند صدور الأفعال من قِبَلِ الله تعالى ، ومنسوبة إليه (كالخالقيّة والرازقيّة) ، وصفة (التكلُّم) من هذا القبيل أيضاً لأنّها نوع من الفعل والحركة ، ونحن نعلم بأن ليس للحركة طريقٌ إلى الذات الإلهيّة المقدّسة.
* * *
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ٤ ، ص ٦٨ ، الباب ١ ، ح ١١ ،.
(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٠٧ (باب صفات الذات).