الذين لا يعتقدون (بالحسن والقُبح) يعجزون عن إثبات هذه المسألة ، لأنّه لا ينفع معهم الدليل العقلي ، والدليل النقلي ينفع في بحثنا هذا ، لأنّهم إن يستندوا على الآيات القرآنيّة الدّالة على صدق الله يجر الكلام حتى يصلَ إلى هذه الآيات. وبعبارة اخرى فإنّ الاستدلال بالآيات يستلزم الدور (تأمل جيداً).
وهنا يعجزون عن الجواب وإثبات مدّعاهم.
وبما أنَّ مسألة الحسُن والقُبح العقليّين ـ بغض النظر عن التعصّب والأذواق المنحرفة ـ من المُسَلَّمات ، فإنّ أفضل طريق لإثبات صدق الله هو هذه المسألة.
يُعد الكذب ، حتى من قِبَلِ الإنسان العادي ، من أقبح الأعمال ، بل يعتبر بؤرة أغلب القبائح ، ودليلاً بارزاً على انحطاط الشخصيّة ، فمن المسلَّم به قُبح مثل هذا العمل من كلّ ناحية بالنسبة إلى الباري تعالى ، أي أن يكذب سبحانه أو يَعِدَ كذباً ـ معاذ الله.
وإن احتمل أحد مثل هذا الإحتمال اللامعقول بالنسبة إلى الذات الإلهيّة المقدّسة لتهدمت جميع مباني معتقداته ، لأنّ القسم الرئيس من هذه المباني مأخوذ عن الوحي ، وَلَو وُجد احتمال الكذب ومخالفة الواقع إليه سبيلاً ، لما بقيت هنالك ثقة بالوحي ، والأخبار الإلهيّة ، والوعد والوعيد ، ولتزلزلت جميع المعتقدات الدينية وتعرضت للعدم ، وهذه المسألة من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى توضيح.
وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ عوامل الكذب أي (الجهل) و (الحاجة) ليس لها إلى ذات الباري من سبيل ، وهذا بحد ذاته دليلُ آخر.
* * *
آخر الكلام حول الصفات الإلهيّة :
لا ريب أنّ لبحث صفات الله طابعاً عقائدياً ، والهدف منه هو تكميل المعارف الإلهيّة ، ولكن ينبغي أن لا يُغفلَ عن أثره التربوي في تكامل النفوس الإنسانية ، وغالباً ما كان هذا هو هدف القرآن من طرح هذه الصفات.