تخص الحكم والقضاء والقسط يخصّ تقسيم الحقوق ، وقد ورد في لسان العرب نقلاً عن بعض الأحاديث «إذا حكموا عدلوا وإذا قسّموا أقسطوا» (١).
ويُحتمل أيضاً أن يكون العدل ذا مفهومٍ أوسع وأعمق من القسط ، لأنّ القسط يُستعمل بخصوص التقسيم ، والعدل يُستعمل فيه وفي موارد اخرى.
* * *
جمع الآيات وتفسيرها
إنّ الله لا يظلم أحداً :
الجدير بالانتباه هو استعمال القرآن الكريم كلمة (العدل) في المواضع المتعلّقة بوظيفة العباد ، وعدم استعماله هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى ، وبالمقابل يلاحظ تعبير (نفي الظلم) عن الله بكثرة ، وتعبير إقامة الله القسط ليس بقليلٍ أيضاً.
وأمّا ترك استعمال كلمة (عدل) بخصوص الذات الإلهيّة المقدّسة فيُحتملُ أن يكون سببه هو ما أشرنا إليه سابقاً وهو كون كلمة (العدل) قد تُعطي معنى (الشرك) أحياناً ، (أي اتخاذ الكفوء والند لله تعالى) ، فما أراد سبحانه أن يُستعملَ هذا اللفظ المشترك بخصوص ذاته المقدّسة!
وعلى أيّة حال فقد قال تعالى في الآية الأولى من البحث : (إِنَّ اللهَ لَايَظْلِمُ النَّاسَ شَيئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ انْفُسَهُم يَظلِمُونَ).
يُمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى الكلام الذي ورد في الآيات التي سبقتها ، من قوله تعالى : (وَمِنهُم مَّنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيكَ أَفَأَنتَ تُسمِعُ الصُّمَّ وَلَو كَانُوا لَايَعقِلُونَ* وَمِنهُم مَّنْ يَنظُرُ إِلَيكَ أَفَأَنتَ تَهدِى العُمْىَ وَلَو كَانُوا لَايُبصِرُونَ* إِنَّ اللهَ لَايَظلِمُ النَّاسَ شَيئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ انفُسَهُم يَظلِمُونَ).
وبتعبير آخر : إنّها سنّةٌ إلهيّة أن لو لم تُستعمل الأبصار والأسماع السليمة في الأتجاه
__________________
(١) لسان العرب ، ج ٧ ، مادة (قسط).