المخلوقة من أجله لفقدت قدراتها ، لذا فلو لم ينتبه أحدٌ إلى مثل هذه الحالة لكان قد ظلم نفسه بنفسه ، لا مظلوماً من قبل الله تعالى.
وقد أيدّ الكثير من المفسّرين هذا التفسير ، ولكن العجب من ترك البعض الآخر منهم (كالفخر الرازي) هذا المطلب الواضح وانصياعهم لعصبيّتهم المذهبية في مسألة العدالة ، فقالوا : (لأنّ كل ما في الوجود ملكٌ له ، فكل ما يعمله ليس بظلمٍ).
في حين أنّ الآية تشير بدقّة إلى خلاف هذا المطلب ، فظاهر الآية يُفهم منه انتفاء تصوُّر الظلم بشأنه جلّ وعلا ، بل إنّه لن يظلم أحداً في نفس الوقت الذي يقدر فيه على ذلك.
ومن قبيل هذا التعبير كثير ، فلو قيل : إِنّ الطبيب الفلاني ، لم يُعالج المريض الفلاني فإنّه يعني ، أَنّه كان قادراً على علاجه ، لكنّه لم يفعل ، فلا يُقال أبداً : إِنّ الأُميّ الفلاني لم يُعالج فلاناً من الناس.
* * *
أمّا الآية الثانية فقد أشارت إلى هذا المعنى بتعبيرٍ آخر ، حيث قالت : (وَلَا يَظْلِمُ رَبِّكَ أَحَداً) ويُمكن أن يكون ذكر تعبير (رب) إشارة إلى رعايته تعالى للإنسان بالتربية والتكامل ، لا الظلم والجور الذي يؤدّي إلى النقصان والتخلُّف (الذي هو خلاف اصول الربوبيّة).
وقد ذكرت هذه الجملة بعد بيان حال المجرمين في القيامة ، عندما يرون كُتبهم فيقولون : (يَاوَيْلَتَنَا مَال هَذَا الكِتَابِ لَايُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً). (الكهف / ٤١)
لذا فإنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم لا الله سبحانه وتعالى ، وتتضح مسألة انتفاء الظلم عن الله سبحانه وتعالى نهائياً من خلال تصريحِهِ تعالى في القرآن بتجسُّم أعمالهم هناك (أي يوم القيامة).
* * *