وأشارت الآية الثالثة إلى العذاب الدنيوي الذي أصابَ ستةً من الأقوام السالفة بسبب طغيانهم وظُلمهم وعنادهم (١) ، قال تعالى : (فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا انفُسَهُمْ يَظلِمُونَ).
لقد منَّ الله عليهم بالعقل والفهم والمعرفة ، وأرسل إليهم الأنبياء والكتب السماويّة الواحد تلوَ الآخر ، وحذّرهم مِراراً ، فعندما لم ينفع معهم أي واحدٍ من هذه الأمور ، أنزل عليهم العذاب وأهلكهم ، فمنهم من أغرقه بالماء ، ومنهم بالريح العاصفة ، ومنهم بالزلزلة ، ومنهم من أخذته الصيحة.
وهذا الكلام تحذيرٌ ضمنيٌّ للأقوام الحاليّة ، والطغاة ، والمتمردين العصاة ، ليكونوا على وجل لئلّا يحطّموا أنفسهم بأيديهم ويُحرقوا حاصل حياتهم بنار أعمالهم.
وجملة : (فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ، التي اجتمع فيها الفعل الماضي (كان) والمضارع (ليظلمهم) ، تشير إلى نفي ظلم الله لأي أحدٍ وفي أيٍّ من الأزمنة الماضية ، واستمرار هذه الصفة والسُّنة الإلهيّة وثباتها وعدم كونها أمراً مقطعيّاً مؤقتاً وعابراً.
* * *
أمّا الآية الرابعة فقد أشارت إلى الجزاء الأخرويّ وأحوال يوم القيامة ، حيث قال تعالى : (فَاليَومَ لَاتُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً وَلَا تُجزَونَ إِلَّا مَا كُنتُم تَعمَلُونَ).
مع أنّ فعل (تُظلَمُ) في هذه الآية قد ذُكِرَ بصيغة المجهول ، لكنّه من الواضح أنّ الحاكم الوحيد في محكمة القيامة هو الله سبحانه وتعالى ، إذن يُعتبر نفي الظُّلم في هذه الآية نفياً للظلم عن ساحة قُدسه تعالى ، وعليه فإنّه لا يرتضي الظُّلم لأحد لا في الدنيا ولا في الآخرة ، إنّها أعمال الناس التي سوف تتجسّم أمامهم هناك وترافقهم ، فإن كانت صالحة منحتهم اللّذة والنشاط والبهجة ، وإن كانت طالحة صارت سبب عذابهم وأذاهم ، لذا قال سبحانه : (وَلَا تُجزَونَ إِلَّا مَا كُنتُم تَعمَلُونَ).
* * *
__________________
(١) قوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ وقوم ابراهيم وقوم شعيب وقوم لوط.