أي : إنّ الله سيجزي المؤمنين في يوم القيامة لقيامهم بالعدل والقسط الذي يقتضيه الإيمان(١).
لكن المفسّر هذا لم ينتبه إلى هذه الحقيقة وهي كون (العمل الصالح) يتماشى مع أُسس العدالة ، ولا تحتاج إلى قيدٍ أو شرط ، إلّاأن يكون ذا حالة تأكيديّة ، ونحن نعلم بأنّ حمل الكلام على التأكيد خلاف الظاهر ويحتاج إلى قرينة.
* * *
وأشارت الآية العاشرة إلى نفس هذا المعنى مع وجود هذا التفاوت ، وهو بَيانها القسط والعدل كصفتين لموازين الأعمال ، ونحن نعلم بأنّ مُقيم هذه الموازين هو الله العادل ، إذن لابدّ من التسليم بأنّها من صفات ذاته المقدّسة.
والتفاوت الآخر في هذه الآية عن الآية السابقة هو كون مفهوم هذه الآية عامّاً ، ويشمل كلاً من المؤمن والكافر ، لأنّ (ميزان القسط) لا يزن إلّاقِسْطاً وعدلاً ، ولا يظلمُ أحداً. قال تعالى : (وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلَا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً).
والظريف هو وصفه تعالى هذه الموازين (بالقسط) ـ (العدل بالمعنى المصدري) ـ وقوله : إنّ هذه الموازين عين العدل ، ممّا يعكس نهاية التأكيد كقولنا : (زيدٌ عدلٌ) ، أي أنّه عين العدل ، فعليه لا حاجة في هذه الآية إلى التقدير.
وسيأتي هذا المطلب في المجلد الخامس من هذا التفسير في بحوث المعاد إن شاء الله ، وهو كون المقصود من (الميزان) هنا شيئاً مماثلاً للموازين الماديّة ليصير مجالاً لطرح هذا الإشكال ، وهو كون أعمال الإنسان ليست ذات وزنٍ يُذكَرُ ، فكيف يمكن وزنها بهذه الموازين؟ فنضطر إلى القول كما قال الفخر الرازي : إنّ المقصود منها وزن كتب الأعمال!
أو الحسنات تتجسّم بشكل جواهر بيضاء نورانية! والسيئات تتجسّم بشكل جواهر سوداء ظلمانية! (٢)
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ١١ ، ص ٢٩٩.
(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٢ ، ص ١٧٦.