كيف يُمكن أن يُساوي بين المحسن والمُسيء؟
أشارت الآية الأخيرة الثانية عشر من بحثنا إلى نفس هذه الحقيقة من خلال تعبير ظريف آخر ، دون أن تُصرّح بكلمة العدل ، أو القسط ، أو مصطلحات نفي الظلم ، وما شاكل ذلك.
قال تعالى : (ام نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفسِدِينَ فِى الأَرضِ أَم نَجعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ).
إنّ هذا الاستفهام هو نوعٌ من الاستفهام الإستنكاري ، أي : إنّ مثل هذا الشيء غير مُمكن ، لأنّ المساواة بين المصلح والمفسد ، والمتقي والفاجر ، ظلمٌ فاحش ، والله العادل لا يفعل ذلك أبداً.
وإن كانت المسألة كما اعتقد البعض من الجهلاء ، في كون العالَم ملكاً لله والعباد عباده ، وكل ما يفعله بحقّهم هو عين العدالة ، لفقدت الآية أعلاه معناها.
ويجدر الإلتفات إلى أنّ الآية أعلاه قد عرضت المسألة على الوجدان البشري الحي ، وخاطبته بصيغة الاستفهام الإستنكاري : (فهل يُمكن أن يفعل الله هذا؟).
وقد أشارت هذه الآية بصورة ضمنية إلى مسألة المعاد ، لأنّه لو لم يَكن هناك معاد لتساوى المصلح والمفسد ، ففي الدار الدنيا يُمكن أن لا يلقى أيٌ منهم جزاء عمله ، وهذا ممّا لا يتلائم مع عدله تعالى ، إذن يجب أن يكون هنالك يومٌ للحساب لتحقق أسس العدالة.
* * *
ثمرة البحث :
نستنتج من مجموع الآيات التي ذكرناها أنَّ الذات الإلهيّة المقدّسة منزّهة عن الظلم والجور بكل أشكاله ، وبكل مقاديره ، قليله أمْ كثيره ، في الدنيا أَمْ في الآخرة ، وبحق أيّ أحدٍ كان.
إنّه تعالى لا يظلم أحداً بصورة مباشرة وغير مباشرة ، ولا يعمل عملاً يؤدّي (ولو بمئات