وهنا واجهوا هذا الإشكال وهو : إذا كان الإنسان مجبراً على أفعاله فما معنى الثواب والعقاب على هذه الأعمال الإجبارية وغير الإختياريّة؟ وكيف يتناسب هذا مع عدالة الله سبحانه؟ لذا فقد اضطرّوا إلى إنكار مسألة العدالة الإلهيّة بالشكل الذي ذكرناه آنفاً.
ومن جهةٍ ثالثة أنّهم كانوا يعتقدون بأنّ إنكار العدل الإلهي نوعٌ من التوحيد الكامل ، وكانوا يظنّون الوصول إلى مرحلة التوحيد العليا إذا ما اعتقدوا بأنّ الله فوق مسألة العدل والظلم.
وفي مقابل هذه الجماعة كانت تقف جماعة (المعتزلة) الذين كانوا يعتقدون بأنّ العدل الإلهي من أهم المسائل العقائدية ، وبإمكانية تصوُّر كل من العدل والظلم بالنسبة إلى الله تعالى ، لكن الله لا يظلم أبداً ، والعدالة بمعنى الكلمة موجودة فيه.
أمّا الشيعة ومعتنقو مذهب أهل البيت عليهمالسلام فإنّهم وقفوا في زمرة مؤيدي العدل الإلهي ، لذا يُطلق عليهم وعلى المعتزله اسم (العدليّة).
إنّ الأهميّة التي يوليها شيعة أهل البيت عليهمالسلام لمسألة العدل الإلهي من العمق بحيث اعتقدوا بأنّ (العدل) و (الإمامة) رُكنان أساسيّان في مذهبهم ، في مقابل (التوحيد) و (النبّوة) و (المعاد) التي تُعد الأركان الأساسيّة الثلاثة للدين الإسلامي.
وسنلاحظ في البحوث القادمة إن شاءالله أنَّ إنكار مسألة العدل الإلهي قَدْ يُؤدّي أحياناً إلى إنكار علم الله أو قدرته ، ويؤثّر على الصفات الإلهيّة الاخرى أيضاً ، لهذا فقد عُرفَ (العدل) كصفة مرتبطة ببقيّة الصفات.
ولعل هذا هو دليل ما ورد في الرواية التي مفادها أنَّ رجلاً دَخَلَ على الإمام الصادق عليهالسلام فقال له : «إنَّ أساس الدين التوحيد والعدل» وأضاف قائلاً : «اودُّ أن تُبيّن لي شيئاً في هذا المجال يسْهلُ حفظهُ».
فقال الإمام عليهالسلام : «أمّا التوحيد فأن لا تجوّز على ربّك ما جاز عليك ، وأمّا العدل فأن لا تنسَبَ إلى خالقك ما لامك عليه» (١).
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ٥ ، ص ١٧ ، الباب ١ ، ح ٢٣.