إنَّ هذا الجواب المُتْقَنَ جدّاً هو بالواقع دليلٌ على (التوحيد) و (العدل) ملخصٌ في عبارات موجزة ، لأنّ صفات الممكنات لا يُمكن أن تكون صفات للهِ الذي هو واجب الوجود لأنّ هذه الصفات مقرونة بالنقص والمحدوديّة ، في حين أنّه جلّ وعلا كاملٌ وغير محدودٍ من كل الجهات ، وكذا كيف يُمكن أن يُؤاخذنا الله على أفعالٍ تنسبُ إليه ونحن نقوم بها.
ولكن على أيّة حال ، فإنّ جواب الإمام عليهالسلام هذا يدلُّ على تأييده عليهالسلام لكلام الراوي : «إنّ أساس الدين التوحيد والعدل».
وقد جمع أمير المؤمنين علي عليهالسلام هذين الركنين في عبارته المختصرة والمفيدة جدّاً ، وشرح حقيقة التوحيد والعدل باسلوبٍ رائعٍ جدّاً ، حيث قال : «التوحيد أن لا تتوهمه والعدل أن لا تتهمه). (فما تحيط به الأوهام محدود ومخلوق والله تعالى أكبر من ذلك). (والعدل أن لا تتهمه يعني أن لا تنسب إليه ما كسبت يداك من قبائح الأعمال) (١).
* * *
٢ ـ الأدلّة العقليّة على مسألة العدل الإلهي
اعتقد أغلب علماء المسلمين بأنّ هذه المسألة من ناحية البعد العقلي هي فرعٌ من مسألة (الحُسن والقُبح) ، لذا يتوجب علينا هنا متابعة هذه المسألة ، وذكرنا عصارة منها هنا :
كان الأشاعرة (جماعة أبو الحسن الأشعري المدعو علي بن اسماعيل والذي كان من متكلمي أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري) يُنكرون (الحسن والقبح) العقليين بالمرّة ، ويقولون : إنّ عقلنا ليس بقادر لوحده على إدراك الصالح والطالح ، والحسن والقبيح من الأشياء ، ومعيار معرفتهما هو الشرع.
فما يستحسنه الشرع فهو حَسنٌ ، وما يستقبحه فهو قبيح ، حتى الأمور التي نعتقد اليوم بحُسْنها وقُبحها ، فإذا قال الشرع خلاف ما نعتقد لقلنا مثل قوله ، حتى وإن سُئِلوا : هل يُدرك
__________________
(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ٤٧٠.