كما هو حال الصفات الكمالية كالعلم الذي يُقرّب الإنسان من هذه الأهداف.
وعليه فإنّ هذه المعاني الثلاثة لازمة وملزومة ببعضها ، وإن فرّق «فاضل القوشچي» بينها فإنّما هو لتعبيد الطريق للإجابة على استدلالات جماعة (الحسن والقبح العقليين) ، فمثلاً يَرُدُ على استدلالهم هذا عندما يقولون : (نحن ندرك حسن الإحسان وقبح الظلم بحكم ضرورة الوجدان). فيقول : إنّ هذا الكلام صحيحٌ بالمعنى الأول والثاني ، وغير صحيح بالمعنى الثالث.
لذا يُمكن القول في تعريف (الحسن والقبح) بأنّ الأفعال الحسنة هي الأفعال التي تقرّب الفرد أو المجتمع البشري من الكمال المطلوب ، أو تربّي فيه الصفات الكماليّة ، وتقرّبه من الأهداف التكاملية ، ومثل هذه الأعمال فيها مصلحة طبعاً ومحببة من قبل الله سبحانه وتعالى وتستحق الثواب ، وعكسها الأفعال القبيحة.
الآن وبعد أن عرفنا معنى (الحسن والقبح) والأراء المختلفة حول عقلانيتهما وعدم عقلانيتهما ، لننظر أيّاً منهما أحق من صاحبه.
لا ريب في أنّ الذهن الفارغ من تأثيرات هذا وذاك يعتقد إجمالاً بعقلانية الحسن والقبح ، ويبدو أنّ المنكرين كانوا قد خضعوا لتأثيرات مسائل اخرى أدّت بهم إلى الوصول إلى هذه النتيجة (كالطريق المسدود الذي وصل إليه دعاة مسألة الجبر والتفويض التي أشرنا إليها سابقاً) ، والدليل على إثبات هذا الموضوع إجمالاً أمران :
أ) عندما نُراجع وجداننا نلاحظ أَنَّهُ حتى على فرض عدم ارسال الله أيّ رسولٍ أو نبي ، تبقى مسائل الظلم والجور وإراقة دماء الأبرياء وسلب الأموال ، وحرق بيوت الأبرياء ونقض العهود وإثابة المسيء ، من القبائح ، وبالعكس ، فالإحسان ، التضحية ، الفداء ، السخاء ، مساعدة الضعفاء ، الدفاع عن المضلومين ، حسن وذو قيمة.
فنحن نعتقد بأنّ هذه الأعمال ـ التي ذكرناها أخيراً ـ ناشئة من صفات الكمال ، وباتّجاه أهداف المجتمع البشري وتستحق الثناء والثواب ، في حين أنّنا نعتبر أعمال المجموعة الأولى ناشئة من النقص ، وتؤدّي إلى الدمار والفساد الفردي والاجتماعي وتستحق التوبيخ والعقاب.