لذا فإنّ جميع العقلاء ، حتى اولئك الذين لا يدينون بشريعة أو دين معين وينكرون جميع الأديان ، يعترفون بهذه الأمور ، ويؤسسون نظامهم الاجتماعي (ولو في الظاهر) وفقها ، ويعتبرون أي نغمةٍ مخالفةٍ قد تظهر من زاويةٍ معينة ، بأنّها حتماً ناشئة من (الأخطاء) أو نوع من النزاع اللفظي واللعب بالألفاظ.
فأي عقلٍ يسْمح بأن نقتل جميع المحسنين والصالحين ونلقي بهم في البحر ، ونفتح أبواب السجون أمام الجناة والأشقياء ونمنحهم الحريّة ونسلّمهم مقاليد الأمور؟!
ب) إن أنكرنا مسألة الحسن والقبح لتزلزلت أسس جميع الأديان والشرائع السماويّة ، ولما أمكن إثبات أي دين ، لأنّ من يُنكر الحسن والقبح عليه أن يقبل بكذب الوعود الإلهيّة التي أعطاها الله في جميع الأديان ، وإن كان الله قد قال : إنّ الجنّة مأوى المحسنين ، والنار مثوى المسيئين ، فما المانع لو كان الأمر بعكس ذلك!؟
وكذّب الله (العياذ بالله) في جميع هذه المسائل ، ولا قباحة في الكذب!!
وكذا ما المانع من أن يجعل الله المعاجز في تصرّف الكذّابين؟ ليخدعوا عباده ويحرفوهم عن الطريق الصحيح!
وعليه فلا تبقى هنالك ثقة بالمعاجز ، ولا بما يأتي به وحي السماء ، إلّاأن نقبل بقباحة هذه الأمور ، ونزاهة الله عن فعل القبيح ، فتقوى الأسس الشرعيّة وتصير المعجزة دليلاً على النبوة ، ويصير الوحي دليلاً على بيان الحقائق.
* * *
٣ ـ ملاحظتان مهمتان
١ ـ تنقسم الأفعال الإنسانية إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : هي التي يسهل إِدراك حسنها وقبحها للجميع ، أو التي تُعَدُّ اصطلاحاً من (المستقلّات العقليّة) ، ولا تتغير أيضاً بتغيُّر الظروف (كحسن الإحسان وقبح الظلم.).
والقسم الثاني : هي التي يسهل على الجميع إدراك حسنها وقُبحها ، لكنها تتأثر بالظروف