آخر ، فمن قَبِلَ ذلك الاستدلال وتيقن من صحته لا ينتظر موافقة الآخرين أبداً ، وإن قال أحدٌ خلاف ذلك لخطّأه ، لا أنْ يتراجع عن عقيدته.
وخلاصة الكلام هو أنّ الحسن والقبح عقليان لا عقلائيان ، والفرق شاسعٌ بين هذين الأمريْن ، فدائرة أحدهما تشمل الحقائق الخارجيّة ، والاخرى تشمل العقود القانونية.
وَنختتم هذا الكلام بجملة قصيرة حول أصل مسألة الحسن والقبح وهي : إنّ منكري هذه المسألة شأنهم شأن منكري الكثير من المسائل العقليّة الاخرى ـ فهم عادةً يُنكرونها باللسان أو عندما يتعرضون لضغط المسائل الاخرى التي لا يجدون لها حلّاً ـ فيتكلّمون بمثل هذا الكلام ، وإلّا فهم من مؤيدى هذه العقيدة بعملهم ، فلو وجّه إليهم أحدٌ صفعة قوية ، أو أهان كرامتهم في المجتمع دون مبرر ، أو قتل أبناءهم أمام أعينهم ، لما تردّدوا حتى لحظة واحدة في توبيخه وذمّه ولجوّزوا لأنفسهم معاقبته!؟ سواءً كان هنالك قانون أو شريعة نازلة من قبل الله أمْ لم تكن.
* * *
٤ ـ الرجوع إلى أدلّة العدل الإلهي
بعد اتضاح مسألة الحسن والقبح ، نعود إلى أصل الكلام ، أي : الأدلة العقليّة على العدل الإلهي ، ويوجد هنا دليلان مهمّان يُمكن إرجاع الأدلّة الاخرى إليهما.
الدليل الأول : ومصدره نفس نظرية الحسن والقبح تلك ، فالظلم قبيح ، والله الحكيم لا يفعل القبيح أبداً ، والظالم يستحق التوبيخ والملامة ، ومُسَلَّمٌ أنّ وجوداً كاملاً لا يفعل شيئاً من هذا القبيل ليستحق اللوم والتوبيخ.
والعدل عكس ذلك ، فهو دليل كمال الوجود وحكمته ، والوجود الكامل من كل ناحية ، والمنزّه عن كل عيبٍ ونقص لن يتخلى عن مثل هذا الشيء.
وهذا الدليل بقدرٍ من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى شرحٍ وتفصيلٍ أكثر ، فهل يحتمل أحدٌ أن يلقي الله جميع الأنبياء والأبرار والصالحين في نار جهنم ، ويرسل جميع أشقياء وظالمي العالم إلى الجنّة؟!