كانت هذه مجموعة من الأمور التي تشكّل دوافع وأُسسَ مذهب منكري العدل في الماضي والحاضر.
* * *
نقد وتحليل
لنتطرّق الآن إلى نقد وتحليل هذه الإشكالات :
١ ـ أمّا فيما يخصُّ الدليل الأول فقد تحدثنا بما فيه الكفاية عن كون إنكار العدل يقود إلى إنكار المستقلّات العقليّة ، ويلزم أن نؤكّد من جديد بأنّ منكري الحسن والقبح ، لا ينكرون هذا المعنى أبداً من الناحية العمليّة ، فما يقولونه لا يتجاوز ألسنتهم وحواراتهم ونقاشاتهم ، وأمّا لو وجّه أحدٌ صفعةً إلى أحد أطفالهم الصغار ، أو أحْرقَ دارهم من دون مبرّر ، لا ستقبحوا هذا العمل ، ولما تردّدوا في التسليم بقبحه عن طريق تشخيص الوجدان ، وسيحكمون قطعاً بوجوب معاقبة هذا الشخص ، ولما صبروا أبداً لينظروا إلى كون قباحة هذا العمل وردت في آية أو رواية أمْ لا.
ولو أصابهم الجوع والعطش في الصحراء ، وجاءهم أحدٌ بالماء أو الغذاء ، أو حمل مريضهم على كتفه عدّة كيلومترات ليوصله إلى المستشفى ، وينجيه من الموت المحتَّمِ ، لما تردد أحدٌ منهم في حُسن هذا العمل والثناء على فاعله ، ولما قالوا : أمهلونا لنرى فيما إذا كانت الروايات والآيات قد مدحته وشكرته ومجّدته أم لا!
ويوجد الكثير من قبيل هذه البحوث في المباحث العقلية وهو أن يتعرض أفراد مُعَيَّنون لضغوط مسائل جانبيّة فينكرون حقائق معينة بألسنتهم ، في حين أنّهم يؤمنون بها تماماً من الناحية العمليّة (كالسوفسطائيين الذين ينكرون الوجود الخارجي لجميع الأشياء ، لكنهم عملاً يجتنبون النار ويذهبون لتناول الماء عند العطش).
علاوةً على هذا فإنّ قبول المستقلّات العقليّة هو العمود الأساس في قبول نبوّة الأنبياء ، وبدونها لا يمكن تصديق كلام أي نبي ، ولما كانت معجزاتهم دليلاً على صدقهم ، لأنّ بإنكار