إذا وجدنا عمارة عظيمة تجلّى فيها رونقُ الفن المعماري بكل أشكاله ، وصادفنا جانباً صغيراً منها لم نستطع أن نفهم فلسفته ، فهل نخطّيء المعمار؟ أم أنفسنا؟ لا سيّما إذا عرفنا من القرائن الأُخرى مهارة معمار تلك البناية وكماله العلمي ، وصفو وصدق نيّته أيضاً.
وخلاصة القول : هو أنّنا لو ألقينا نظرة على هذه الحوادث الخاصّة ، بل ولو نظرنا إليها إلى جانب مجموعة نظام العالَم ، وحَكَمْنا حُكماً شموليّاً لتوصلنا مجملاً إلى هذه النتيجة وهي : إنّ هذه الأمور ذات أسرار خاصّة أيضاً ، بالرغم من جهلنا ، ويُحتمل انكشاف قسم منها بمرور الزمان وتطوّر العلم ، كما انكشف قسمٌ منها لحد الآن ، وفي نفس الوقت يُحتمل أن يبقى قسمٌ آخر منها مستوراً عنّا إلى الأبد ، لكننا مع ذلك نعلم بأنّ في جميع هذه الأمور أسراراً خفيّة.
* * *
القرآن والجواب الإجمالي على مسألة الآفات والبلايا :
إنّ القرآن الكريم الذي يُري الطريق ويُعين في الوصول إلى المقصود في جميع المسائل الفكريّة ، له إشارات كثيرة أيضاً في هذا المجال من جملتها :
١ ـ قال تعالى في موضعٍ : (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلاً). (الأسراء / ٨٥)
فاحذروا أن تحاولوا بعلمكم المحدود أن تُنظّروا في كُلّ شيء ، وتتصوروا بجهلكم بأسرار الحوادث عدم وجود تلك الأسرار.
٢ ـ بعد أن أشار تعالى في سورة النساء إلى قسمٍ من الاختلافات التي قد تحدث بين الزوجَيْن ، أمر الرجال بحسن معاملة النساء فقال : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً). (النساء / ١٩)
وقد ورد نفس هذا المفهوم بتعبيرٍ آخر ، بالنسبة إلى الجهاد في سورة البقرة ، كقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌلَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَاتَعلَمُونَ). (البقرة / ٢١٦)