مع أنّ الآية الاولى تخص المعاشرة الزوجيّة ، والآية الثانية تخصُّ الجهاد المسلّح ضد العدو ، لكن ما ورد في نهايتهما قانون كُلّيٌّ حيث يقول : إنّ محدودية علمكم في الكثير من الموارد تحول دون تمييزكم الخير والشّر ، وعليه لا يُمكن النظر فقط إلى ظاهر الحوادث والقضاء بشأنها ، فمن المسلَّمِ أن الحوادث البشريّة المُرّة تقع في دائرة هذا القانون الكلّي أيضاً.
٣ ـ إنّ قصة الخضر وموسى عليهماالسلام التي وردت في سورة الكهف والتي تُعدُّ من القصص القرآنية الغنيّة الرامية إلى أهداف متعددة ، تشير بوضوح إلى بحثنا ، والتي يُمكن القول : إنّ أحد ألاهداف الأساسية من طرحها هو هذه المسألة وهي : عندما يصدر فعلٌ معينٌ من حكيم ، يجب عدم الحكم بظاهره والقضاء بشأنه استناداً إلى ذلك ، فما أكثر الحالات التي يبدو فيها ظاهر العمل قبيحاً ، لكنّه يحتوي في باطنه على أسرار عميقة.
فمثلاً خرق سفينة المساكين المستضعفين التي كانت تشكّل مصدر عيشهم (رزقهم) المحدود ، أو قتل الغلام الذي كان يبدو بريئاً ولم يرتكب جرماً وخيانةً ظاهراً ، أو إقامة الجدار الذي أو شك على الانهيار بدون ثمن ، في قرية البخلاء الذين أبْوا أن يضيّفوا (موسى وصاحبه عليهماالسلام) كانت جميعها أعمالاً يُعد كلٌّ منها أقبح من الآخر.
ولهذا السبب كان موسى عليهالسلام يعترض كُلّما ارتكب الخضر عليهالسلام أحد هذه الأعمال ويقول له : لِمَ فعلت هذا!؟
ففى الموقف الأول قال له : (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهلَهَا لَقَد جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً). (١) (الكهف / ٧١)
وفي الموقف الثاني استنكر قائلاً : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً). (الكهف / ٧٤)
وفي الموقف الثالث أراد مِنَ الخضر عليهالسلام أن يتقاضى أجراً مقابل عمله (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً). (الكهف / ٧٧)
__________________
(١) «إمر» على وزن «بِئْر» تُطلق على العمل المهم والعجيب ، أو المبغوض والقبيح جدّاً.