إنّ أكثر المفسّرين اعتقدوا بأنّ مثل هذه الآيات تُشير إلى العذاب الإلهيّ ، ولكن يبدو من ظاهر الآيات أنّ المصائب ناتجة عن أعمال الإنسان نفسه ، وبتعبيرٍ آخر ذُكرت الأعمال بعنوان (سبب) ، والمصائب بعنوان (مُسبّب).
وإن حصلت هنا عقوبة معينة فهي كأثر طبيعي للعمل ، وانعكاس عن أفعال وتصرُّفات الناس ، ولا يوجد دليل واضح على تأويل كلمة العقوبة والعذاب في جميع هذه الموارد ، كما ورد ذلك في كلام أغلب المفسّرين.
* * *
٣ ـ مصائب العقوبات الإلهيّة
إنّ البعض الآخر من المصائب التي تُصيب الإنسان عبارة عن عقوبات إلهيّة تصدرُ منه تعالى وفق استحقاق الأفراد ، وهي تخص الأفراد الذين ارتكبوا ذنوباً إما كثيرةً وكبيرةً جدّاً ، بحيث تستوجب العذاب الدنيوي والعذاب الأخروي ، وإمّا طفيفة بحيث تُمحى بالعذاب الدنيوي فقط ، وهو بالواقع نوع من اللطف الإلهي بحق هؤلاء الأفراد.
ويُحتمل أن تكون هناك فاصلة زمنية بين (الذنب) و (العقوبة) لكن العلاقة محفوظة ، وأحياناً أُخرى تنزل العقوبة مباشرة ويكون الحساب سريعاً.
وتفاوت هذا البحث عن البحث السابق هو أننا تحدّثنا في البحث السابق عن الأثر الطبيعي للأعمال ، وفي هذا البحث عن العقوبة الإلهيّة.
وعلى أيّة حال فإنّه لا يُمكن للمؤمنين والمعتقدين بالعدل الإلهي إنكار وجود هذه المسألة ، وهي تحقُّق العقوبة الإلهيّة الدنيويّة بحق فئة معينة على الأقل ، ولكن يُمكن أن تكون تلك المصيبة بالنسبة للذين يجهلون سببها عجيبة وأليمة.
وصفحات التاريخ تُخبر عن حال الذين ارتكبوا جنايات فجيعة عند الاقتدار ، وكان مصيرهم أنْ هلكوا بعقوبات أليمة ومصائب موجعة ، بحيث لا يكفي كتاب أو عدّة كتب لذكرها بالتفصيل.