منبعاً لخيرٍ أكثر ، إلى أن يصل إلى الوجود الإلهي المطلق اللامحدود الذي هو عين الخير المحض ، ومصدر جميع الخيرات والبركات.
وعادةً مايلتجئون إلى هذا المثال البسيط لتوضيح عدميّة الشّر وهو : أننا نقول : (ذبح إنسانٍ بريء شرٌّ) ، ولكن لنرى ما هو الشر هنا؟ هل هو قوة ذراع القاتل ، أم قاطعية السكّين وجودة عملها ، أم تأثُّر رقبة المقتول وظرافتها التي يستطيع الإنسان بواسطتها ممارسة كل أنواع الحركة (حركات الرقبة)؟ فمن المسلّم به أنّ أيّاً من هذه الأمور ليست بشرٍّ ونقص ، فالشّر هنا هو انفصال أجزاء الرقبة والأوداج والعظام عن بعضها ، ونحن نعلم بأنّ الإنفصال ليس إلّاأمراً عدميّاً.
وكذا قد يؤدّي أمر وجودي أحياناً ـ كغذاءٍ مسموم ـ إلى الموت ، الذي هو أمر عدمي ، لذا فهو شر ، أو يؤدّي مكروب معين ، الذي هو أمر وجودي ، إلى الاصابة بمرض معين ، ونحن نعلم بأنّ الموت ليس سوى انعدام الحياة ، والمرض ليس إلّافقد السلامة.
ومن هنا يتضح للجميع جواب هذا السؤال وهو : (من خلق الشرور)؟
لأنّه عندما تكون الشرور أموراً عدميّة لايصح أساساً تصوّر وجودها أو موجدها.
نعم ، يُمكن أحياناً أن تكون الأمور المسببّة للعدم أموراً وجودية (كالغذاء المسموم) ، ولكن وكما قلنا لو تساوى خيرها وشرها أو غلب شرها أو كان شرها مطلقاً فإنّه لا يُمكن أن تلبس خلعة الوجود.
ويجدر التركيز في هذه النقطة أيضاً وهي : تساوي (الشر المطلق) مع (العدم المطلق) الذي ليس له وجود خارجي بتاتاً ، لأنّ العدم المطلق نقيض الوجود.
أمّا (الشر النسبي) (الشيء الذي يُعد خيراً من جهة وشّراً من جهة ثانية) فله حصة من الوجود طبعاً ، أو بتعبيرٍ آخر : فهو خليط من الوجود والعدم ، ولكن كما قلنا فإنَّ قسماً واحداً من الشّر النسبي يتماشى مع حكمة الله وهو الشيء الذي تغلب عليه حالة الخير ، (تأمل جيداً).