٣ ـ الخيرات التي تأتي من الشرور
نظراً لنسبية الخير والشّر ، والتأثير المتقابل للأشياء في بعضها الآخر : كثيراً ما يتفق أن تصير الحوادث والظواهر التي تُعدُّ شروراً في الظاهر منبعاً لخيرات وبركات مختلفة.
فكثير من حالات الحرمان تصير سبباً في تفتحُّ الإستعدادات والجهود العظيمة ، لأنّ الإنسان على أيّة حال ينتفض ويُجنّد جميع ما يمتلكه في باطن وجوده للحصول على ما يصبوا إليه ، وهذه المسألة بالذات ستصير سبباً في القفزات العلمية والاجتماعيّة.
وكثيرٌ من حالات الحرمان صارت سبباً للوصول إلى اختراعات كبيرة ، وكثير من حالات النقصان صارت مقدمة للتوصل إلى منابع مهمّة جديدة.
فالأشجار التي تنمو في المناطق الصخريّة ، والنباتات البريّة التي تنمو بالرغم من افتقارها لكثير من مُسببّات النمو ، فهي أصلب عوداً ، وأقوى وقوداً من النباتات التي تنمو على ضفاف الأنهار بعدّة أضعاف ، والبشر يخضعون لهذا القانون أيضاً.
والبدو الذين يواجهون أنواع المشاكل دائماً ، ويصارعون أنواع الحيوانات الوحشيّة ، يتّصفون بالشجاعة والقوّة وشدّة التحمُّل ، في حين نجد سكّان المدن الذين يتمتعون بالنّعم الوفيرة والأمان نجدهم ضعفاء بالقياس إلى البدو.
وللقرآن الكريم بيان لطيف في هذا الخصوص حيث يقول : (فَإِنَّ مَعَ العُسْر يُسْراً* إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً). (ألم الشرح / ٥ ـ ٦)
يجدر الإشارة إلى أن تلازُم هذين الأمرين بدرجة من القوّة والقرب بحيث وكأنّهما متجاوران ، كما يُستنتجُ من كلمة (مع).
وهذه المسألة أيضاً جديرة بالإنتباه وهي كون (العسر) معرفاً بالف لام التعريف ، وتعبير (يسر) مذكور بصيغة النكرة ، والمقصود منه تبيان العظمة أي مع العسر يسرٌ عظيم.
يعتقد بعض المؤرخين بأنّ سيل المشاكل كان من أحد العوامل المهمّة لتقدُّم المسلمين الأوائل السريع ، حيث ترعرع المسلمون في وسط تلك المشاكل ، وصاروا في ظلّها مجاهدين أقوياء ومقتدرين ، في حين كان من أحد عوامل تراجع وتخلُّف المسلمين في