ومن المسلّم أنّ لكل واحدة من هذه المسائل من حيث الماهيّة والمحتوى بحثاً خاصاً ومفصلاً سنتطرق إليها جميعاً في محلّها الخاص ، ولكن يتوجّب هنا فقط أن نبحثها من ناحية عدم وجود تضاد فيما بينها وبين مسألة العدل الإلهي.
أمّا بالنسبة للشفاعة فالذين يعتقدون بأنّ الشفاعة معناها أن يشفع النبي صلىاللهعليهوآله ، أو إمام معصوم عليهالسلام ، أو ملك مقرب في دخول مذنب معين الجنّة ، في حين من المقرر أن يدخل نظيره في الذنب والظروف النار ، يحق لهم أن يعتقدوا بتضاد مثل هذه الشفاعة مع أصل العدل.
ولكن نظراً لكون الشفاعة تخص الذين أبدوا من ناحيتهم لياقة خاصّة في هذا المجال ، وحازوا على حق شفاعة الشافعين بالأعمال الصالحة ، بحيث صار وعد الشفاعة من الناحية العملية درساً تربوياً لإصلاح المذنبين وسوقهم نحو الصراط المستقيم أو مانعاً لهم على الأقل من زيادة التلوث بالذنوب ، يتضح جيداً عدم انتفاء مسألة الشفاعة مع عدالة الله وحكمته ، بل تؤكّدها كذلك (١).
وأمّا مسألة «الجبر والتفويض» ، فالذي يتنافي مع العدل هو مسألة «الجبر» ، فإمّا أن نقول بالجبر وننكر العدالة ، وإمّا الاقرار «بالعدل» وترك «الجبر» وكما لاحظتم في البحوث السابقة فقد اضطرّ المعتقدون بالجبر إلى مسألة العدالة ، وهذه إحدى أكبر الإشكالات على مذهبهم.
نكرر بأن ليس الهدف هو طرح مسألة الجبر والتفويض ودلائل بُطلان الجبر ، فلها محل أخر خاص بها ، والهدف الوحيد هنا هو النظر إليها بمنظار مسألة العدالة لنرى هل يمكن أن يُجبر أحدٌ على ذنبٍ معين ثم يُعاقبُ عليه ، فمن الواضح أنّ هذا السؤال يجاب عنه بالنفي ، وأمّا بالنسبة إلى مسألة «القضاء والقدر» و «مصير الإنسان» بالشكل الذي سيمر علينا في بحث القضاء والقدر ، فإنّ المفهوم الواقعي والمنطقي «للقضاء والقدر» ، ليس بمعنى التقدير المُسبق لمصير الإنسان ، من حيث السعادة والشقاء ، والطاعة والمعصية ، بشكل إجباري
__________________
(١) لزيادة الإطلاع راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآيتين ٤٧ و ٤٨ من سورة البقرة.