وضعها الله حكيمة وذات مصالح وأغراض وفلسفة معينة من جهة ، وأيضاً فإنّها تحذير لجميع المتخلفين عنها ، الذين يعلم الله أعمالهم ونيّاتهم من جهة اخرى ، والأثر التربوي لهذا الاعتقاد بالنسبة للإنسان واضحٌ ، فمن البديهي أنّ الذي يعلم ويدرك بأنّ الأمر صادرٌ ممن أحاط علمه بجميع أسرار الوجود وكل ما يحتاجه الإنسان ، وكذلك يعلم أنّ من يراقبه عالم بكل شيء ، فمن البديهي أن لا يجيز لنفسه ارتكاب أدنى مخالفة.
* * *
يعلَمُ نيّاتكم :
تحدثت الآية الثانية عن اطلاع الله سبحانه على نيّات البشر ، وعلى أسرار جميع موجودات عالم الوجود ، فقالت : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِى صُدُورِكُمْ أَو تُبدُوهُ يَعلَمْهُ اللهُ).
وكذلك : (وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرضِ).
فهذه الآية أيضاً تحذّر الناس من التهرّب من إنجاز وظائفهم ومسؤولياتهم باختلاق حُجج مختلفة (كحجة التقيّة التي ورد ذكرها في الآية التي سبقتها) ، لأنّ الذي يحاسبهم لا يعلم أسرارهم التي يضمرونها في قلوبهم وما في صدورهم فحسب ، بل يعلم جميع أسرار السموات والأرض.
ولقد ورد نفس هذا المفهوم والمعنى في سورة البقرة أيضاً ، لكنّه ـ سبحانه ـ قال هناك : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). (البقرة / ٢٨٤)
ومن المسُلم به هو أنّ المحاسبة فرع من العلم والاطلاع ، وتعبير (صدور) الذي ورد في الآية السابقة بمعنى النفوس بقرينة هذه الآية ، ثم أنّ وقوع القلب في الصدر ، ووجود علاقة وثيقة بين ضربات هذا القلب وبين بقاء الإنسان على قيد الحياة ، علاوة على أنّ أي تغيير نفسي يترك أثراً في القلب ، كان استعمال القرآن الكريم في آياته لكلمة (القلب) كناية عن الروح والنفس.
وبتعبير آخر ، فإنّ أي انفعال نفسي وروحي يقع للإنسان ، من قبيل الميول والاغراض