اطلاع الله على السر والجهر (١) (الباطن والظاهر) ، وبتعبير آخر اطلاعه على النيات القلبية والأعمال الظاهرية ، وقال الآخرون بأنّها إشارة إلى حالات وصفات روحية ومعنوية يبلغها الإنسان بأعماله ، وعليه فهي ذات مفهوم جديد مغاير للسّر والجهر (٢).
وقال آخرون أيضاً : «السّر هذا بمعنى النيّات والجهر بمعنى الحالات وما تكسبون بمعنى الأعمال» (٣).
إنّ هذه التفاسير الثلاثة مناسبة كلها ، ولكن من خلال تتبع موارد استعمال مادة «كسب» في القرآن الكريم ، فإنّ التفسير الثالث يعتبر أقرب إلى الصواب.
* * *
وعنده مفاتح الغيب :
بيّنت الآية الرابعة سعة علم الله اللامحدود بتعابير لطيفة اخرى مع ذكر شيء من التفصيل ، فقالت أولاً : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لَايَعلَمُهَا إِلَّا هُو).
ثم أشارت إلى جوانب من الغيب فقالت : (وَيَعْلَمُ مَا فِى البَرِّ وَالبَحْرِ) و : (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأَرضِ) ، حتى قال في كلمة شاملة ورائعة : (وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبينٍ).
تُعدّ هذه الآية الشريفة من أشمل الآيات القرآنية التي تحدثت عن علم الله اللامتناهي باسلوب دقيق جدّاً.
فابتدأت من علم الغيب إلى ما في البر وأعماق البحر وما تسقط من الأشجار من أوراق ، ثم الحبات الخفية في ظلمات الأرض والبراري والجبال والأودية والغابات ، التي تنتظر الغيث لتنبت ، فعدتها جميعا ضمن دائرة علم الله المطلق.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٧ ، ص ٧٩.
(٢) تفسير الميزان ، ج ٧ ، ص ٩.
(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٢٧٤.