لكن الظاهر أنّ هذا التعبير كناية عن العموم والشمول في عالم المادة ، كما يستعمل أحياناً في التعابير اليومية التي تحتاج إلى هذا المعنى.
* * *
إنّه علّام الغيوب :
تشير الآية الخامسة ـ بقرينة الآيات السابقة لها إلى المنافقين ، فتقول : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) و : (أَنَّ اللهَ عَلَّامُ الغُيُوبِ).
وتعبير «علّام الغيوب» تعبير جديد يمر علينا في هذه الآية ، ونظراً لكون «علّام» صيغة من صيغ المبالغة ولفظ «الغيوب» لفظاً عاماً ، فإنّه يشمل جميع خفيات عالم الوجود بأكمله وعالمي الطبيعة وما وراء الطبيعة.
واللطيف هو أنّ جميع الآيات القرآنية التي تناولناها في بحثنا لحد الآن حول علم الله ، وردت كتحذير للناس لكي يراقبوا أعمالهم وأقوالهم ونيّاتهم ، أي أنّها أشارت إلى المسائل التربوية قبل كل شيء.
«النجوى» : من نجوة و «نجاة» في الأصل بمعنى المكان المرتفع ، ومن حيث إنّ الشخص إذا أراد أن يحدث صاحبه بسرّ معين فانّه ينفرد به في مكان منعزل ، فإنّ هذه الكلمة وردت هنا بمعنى الهمس في الاذن.
* * *
موجودٌ في كل مكان :
تحدثت الآية السادسة في البداية عن شهادة الله على أعمال وأقوال وحالات الإنسان ، ثم عن سعة علمه واحاطته بكل شيء في الوجود ، وفي الحقيقة فإنّ لهاتين المسألتين ارتباطاً لطيفاً مع بعضهما ، قال سبحانه : (وَمَا تَكُونُ في شَأنٍ وَمَا تَتلُوامِنهُ مِنْ قُرآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيكُمْ شُهُوداً إِذ تُفيضُونَ فِيهِ) (١).
__________________
(١) ذكر المفسّرون ثلاثة احتمالات حول مرجع ضمير (منه) : الأول أنّه يعود إلى (الله) والثاني ضمير (الشأن) ـ