وبالتالي فهو سبحانه قد أحاط علماً بأدعية وأعمال الناس التي تعرجُ إلى السماء.
ولو أمعنا النظر في هذه الحقيقة أي بأنواع الكائنات الموجودة في هذه العناوين الأربعة ، لأدركنا عظمة وسعة علم الله.
والنقطة الاخرى هي قوله سبحانه في نهاية الآية : (وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ).
فما أجمله وألطفه من تعبير؟ إنّه تعالى يقول : إن كان الحديث في بداية الآية عن علم الله بمختلف الموجودات الأرضية والسماوية فإنّ هذا لا يعني أبداً أن تعبدوهُ بعيداً عنكم ، فإنّه معكم أينما كنتم ، وهو يرى أعمالكم ، فإنّه لم يقل : «يعلم» بل قال : «بصير» وهذا دليل على الحضور والمشاهدة.
واللطيف في هذه الآية هو الاستعانة بمسألة علم الله لتربية الإنسان أيضاً.
فمن جهة تقول ـ هذه الآية ـ للإنسان : إنّك لست وحيداً فهو تعالى معك أينما كنت ، فتمنح بذلك لروحه السكينة ، ولقلبه الصفاء ، ومن جهة اخرى تقول له : أنت بين يدي الله والعالم كُله في قبضته فراقب أعمالك جيداً. وبهذا الترتيب تجعله دائماً بين الخوف والرجاء.
ومن البديهي فإنّ هذه المعيّة لا تعني الحضور المكاني بل هي إشارة إلى احاطة علم الله بكل شيء.
* * *
الخالق عليم بخلقه :
جاءت الآية الثامنة باستدلال واضح ، ملموس لإثبات علم الله المحيط بكل شيء وبجملة مختصرة وغنية جدّاً ، كما هو شأن القرآن الكريم ـ حيث قال تعالى : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ) (١).
__________________
(١) يوجد احتمالان في معنى هذه الجملة في الآية الشريفة ، الأول : أن تكون (من) فاعل ل (يعلم). والآخر : أن ـ