ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام و... :
تناولت الآية التاسعة مسألة سعة علم الله سبحانه ، حيث جسمت هذه المسألة أمام نظر الجميع بالأعداد والأرقام حيث قالت : (وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأَرضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقلَامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
قد وردت في سورة الكهف آية مشابهة لهذه الآية مع فارق بسيط ، فلنبدأ بالاحصاء هنا ولنتأمل قليلاً لنرى هل من الممكن أن نحصل على عشرات الأقلام من شجرة واحدة تكفي ـ الأقلام التي حصلنا عليها من عدد من الأشجار ـ لكتابة جميع علوم الإنسان المدونة في الآف الكتب منذ الآف السنين ولحد الآن؟ من المحتمل أننا نحتاج لحل هذه المعضلة إلى حوض من الحبر بحجم المسابح الصغيرة.
فلْنتصّور إذن المقدار الخيالي لجميع الغابات والأشجار في جميع البساتين ، والكثير من البراري والجبال ولْنتصور ملايين الأمتار المكعبة من مياه المحيطات والبحار ، الذي يبلغ ثلاثة أرباع حجم الكرة الأرضية ، بعمقه الكبير ، ثم نضيف على هذا الرقم الخيالي سبعة أمثاله (هذا إذا اعتبرنا العدد ٧ يدلّ على نفس العدد لا على قصد الكثرة) لنتج لنا رقما خيالياً عجيباً! فأي علم يحيط به؟
والأكثر من هذا أنّ القرآن الكريم يقول : إنّها جميعاً تنفد ولا تنفد كلمات الله ، فهل يوجد تعبير أقوى وأبلغ من هذا التعبير الدال على لامحدودية علم الله؟ فذكر الأعداد والأرقام ، وإضافة الأصفار إلى جانب عدد معين لا يمكنه أن يعكس عظمة ذلك العدد ، فكأنّ الأعداد جامدة لا قيمة لها ، لكن العدد الذي ورد في هذه الآية ، كناية عن اللانهاية هو عدد محسوس وناطق وغني.
أمّا كلمة «البحر» فنظراً لكون الالف واللام الموجودة فيه تدلّ على العموم في مثل هذه الحالات ، لذا فهي تعم جميع البحار الموجودة على سطح الأرض. وبغض النظر عن ذلك فإنّ جميع بحار الأرض متصلة مع بعضها ، فهي تعتبر بحراً واحداً ويصحّ استعمال صيغة المفرد فيها.