فقالوا : إنّ علم الله بهذه الامور ذاتي ، وأنّ أولياء الله لا يملكون لأنفسهم شيئاً ، فعلمهم إنّما هو بتعليم الله (أي أنّ علمهم عرضي).
لكن هذا الجواب لا يتناسب مع الكثير من الروايات المنقولة من طرق الشيعة والسنة في هذا المجال ، بل وحتى لا يتطابق مع ظاهر الآية في ثلاثة موارد : أحدها انحصار علم الساعة به سبحانه ، وكذلك ما تدري نفس ماذا تكسبُ غداً ، وما تدري نفس بأي أرض تموت.
وكل شيء في كتاب مبين :
أشارت الآية الحاديةُ عشرة إلى علم الله بسرّ الإنسان وعلانيته ، وغيب السموات والأرض ، قال تعالى :
(وَانَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ* وَمَا مِنْ غائِبَةٍ فِى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الَّا فِى كِتَابٍ مُّبيْنٍ).
وتعبيره سبحانه «ربك» إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة : فهل يمكن أن يكون المربي ومالك التدبير والتصرف لكل المخلوقات أن لا يحيط علماً بالحالات الباطنية والظاهرية لمن يربيه ومن هو تحت تصرفه؟ وهذه الربوبية هي بذاتها الدليل على علم الله سبحانه وتعالى.
«تكن» من مادة «كن» على وزن «جن». بمعنى الستارة وكل مايمكنه أن يحجب الأشياء ، وقد وردت الصدور هنا كغطاء ساتر على الأسرار الباطنية ، وكما أشرنا سابقاً فإنّ كلمتي الصدر والقلب قد وردتا في الكثير من التعبيرات القرآنية بمعنى الروح والعقل.
وكلمة «غائبة» إذا كانت ذات معنى وصفيّ فهي كناية عن الامور المحجوبة والخفية جدّاً. (لأنّ التاء المربوطة تأتي في مثل هذه الحالات للمبالغة كما في (علامة) (١).
__________________
(١) اعتقد بعض المفسرين كالزمخشري في كشافه بأنّ لهذه الكلمة معنى اسمياً لا وصفياً مثل (عاقبة) ، و (ذبيحة).