وقد وردت كلمة «مبين» بمعنى واضح ، وبمعنى موضَّح (لازم ومتعدي) ، والمعنى الثاني هنا أقرب ، أي أنّ اللوح المحفوظ أو لوح علم الله مبين وكاشف للحقائق (١).
ونحن أقرب اليكم :
وفي الآية الثانية عشرة تعابير جديدة ولطيفة حول علم الله ، فقد طرحت فيها أيضاً مسألة علم الله كتحذير لجميع الناس ليراقبوا أفكارهم ونيّاتهم ، وماتكن صدورهم ، قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ اقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيْدِ).
أشارت هذه الآية إلى قسمين من علم الله تعالى :
الأول : يعتمد على مسألة خلق الإنسان ، أي كيف يمكن أن يجهل الخالق الحكيم فعله؟ خصوصاً وأنَّ خلقهُ مستمر وفيضه ينزل كُلَّ لحظة على جميع موجودات عالم الوجود ، وبتشبيه ناقص ، هو التيار الذي ينبعث من المولد الكهربائي ويزود المصابيح بالنور باستمرار.
والثاني : هو أنّه غير بعيد عن مخلوقاته ، فهو أقرب إليهم من أنفسهم ، لذا فحضوره الدائمي وقربه يعد دليلا آخر على إحاطته بجميع الامور.
وقد ذكرت في كتب التفسير واللغة تفاسير متعددة بخصوص كلمة «وريد» منها : أنّ (الراغب) فسره بمعنى الشريان الذي يتصل بالقلب والكبد ، وقال جماعة : إنّه بمعنى وريد الرقبة.
وقال آخرون : إنّه بمعنى الوريد الذي يتصل بالفم أو تحت اللسان وفسره جماعة بأنّه بمعنى جميع الأوعية الدموية الموجودة في البدن. وبديهي فإنّ المعنى الأول (الشريان
__________________
ـ ولو أنّه احتمل المعنى الوصفي أيضاً (تفسير الكشاف ، ج ٣ ، ص ٣٨٢) ، وذكر البعض الآخر كلا الاحتمالين للآية المذكورة.
(١) قال جماعة بأنّ «مبين» من مادّة «بيان» وهي في الأصل بمعنى الانكشاف والوضوح بعد الابهام والإجمال بوسيلة منفصلة لذا فهي تعطي معنى الانفصال ومعنى الوضوح معاً.